للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رجعته بأجرٍ، أو غنيمة … " الحديث، وصححه الترمذيّ.

وقوله: "تضمن اللَّه، وتكفّل اللَّه، وانتدب اللَّه" بمعنى واحد، ومحصّله تحقيق الوعد المذكور في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} الآية [التوبة: ١١١]، وذلك التحقيق على وجه الفضل منه سبحانه وتعالى، وقد عبّر اللَّه سبحانه وتعالى بتفضّله بالثواب بلفظ الضمان، ونحوه مما جرت به عادة المخاطبين فيما تطمئنّ به نفوسهم انتهى (١).

(لِمَنْ جَاهَد) متعلّق بـ"تكفّل" (فِي سَبيلِهِ) أي لأجل إعلاء كلمته (لَا يُخْرِجُهُ إِلا الْجِهَادُ فِي سَبيلِهِ) جملة في محلّ نصب على الحال، وهو نصّ صريحٌ على اشتراط خلوص النيّة للَّه تعَالى في الجهاد (وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ) أي كلمة الشهادتين، فيعادي من أباهما، وقيل: تصديق كلام اللَّه تعالى بما للمجاهدين من عظيم الثواب (٢) (بِأنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ) أي بغير حساب، ولا عذاب، أو المراد أن يُدخله الجنّة ساعة موته، كما ورد: "أن أرواح الشهداء تَسْرَح في الجنّة وبهذا التقرير يندفع إيراد من قال: ظاهر الحديث التسوية بين الشهيد، والراجع سالمًا؛ لأن حصول الأجر يستلزم دخول الجنّة، ومحصّل الجواب أن المراد بدخول الجنّة دخول خاصّ. قاله في "الفتح".

وقال القاضي عياض يحتمل أن يدخله عند موته كما قال تعالى في الشهداء: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} الآية. وفي الحديث: "أرواح الشهداء في الجنّة"، ويحتمل أن يكون دخوله الجنّة عند دخول السابقين والمقرّبين بلا حساب، ولا عذاب، ولا مؤاخذة بذنب، وتكون الشهادة مكفّرة لذنبه، كما صرّح به في الحديث الصحيح انتهى (٣) (أَوْ يَرُدَّهُ) بالنصب عطفًا على "يُدخلَهُ" (إِلَى مَسْكَنِهِ) بفتح الكاف وكسرها لغتان، حكاهما الجوهريّ وغيره، وقوله (الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ) تأكيد لما جُبل عليه الإنسان من محبّة الوطن (مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ، أَوْ غَنِيمَةٍ") أي مع أجر خالص إن لم يغنم، أو مع غنيمة خالصة معها أجرٌ، وكأنه سكت عن الأجر الثاني الذي مع الغنيمة لنقصه بالنسبة إلى الأجر الذي بلا غنيمة، والحامل على هذا التأويل أن ظاهر الحديث أنه إذا غنم لا يحصل له أجرٌ، وليس ذلك مرادًا، بل المراد، أو غنيمة معها أجر أنقص من أجر من لم يَغنم؛ لأن القواعد تقتضي أنه عند عدم الغنيمة أفضل منه، وأتمّ أجرًا عند وجودها، فالحديث صريح في نفي الحرمان، وليس صريحًا في نفي الجميع.


(١) - "فتح" ٦/ ٨٢ - ٨٣.
(٢) - "طرح التثريب" ٧/ ١٩٤.
(٣) - راجع "طرح التثريب" ٧/ ١٩٤ - ١٩٥.