للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والمنهيات (وَبِمُحَمَّدِ نَبيًّا) أي من حيث كونه رسولاً، أي رضي برسالته الموجبة لمتابعته في أقواله، وأفعاله، وأحواله.

قال صاحب "التحرير": معنى رضيتُ بالشيء، قنِعتُ به، واكتفيت به، ولم أطلب معه غيره، فمعنى الحديث: لم يطلب غير اللَّه تعالى، ولم يسع في غير طريق الإسلام، ولم يسلك إلا ما يوافق شريعة محمد - صلى اللَّه عليه وسلم - (١) (وَجَبَت لَهُ الْجَنَّةُ) أي ثبتت، وتحقّقت، وعبّر بالماضي مبالغةً في تحقق وقوعها.

وفيه فضل عظيم لمن اتّصف بالرضى المذكور، حيث وجبت له الجنّة، وذلك لأن رضا العبد بهذه المذكورات دليل على ثبوت معرفته، ونفاذ بصيرته، ومخالطة الإيمان قلبه، فتسهل عليه الطاعات، وتلذّ له، ولذلك قال - صلى اللَّه عليه وسلم -، كما في حديث العبّاس بن عبد المطّلب - رضي اللَّه تعالى عنه - الذي أخرجه مسلم في "صحيحه": "ذاق طَعْم الإيمان من رضي باللَّه ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد - صلى اللَّه عليه وسلم - رسولاً" (٢).

(قَالَ: فَعَجِبَ لَهَا أَبو سَعِيدٍ) فيه التفات، إذ الظاهر أن يقول: فعجبت لها. أي عجب أبو سعَيد الخدريّ - رضي اللَّه عنه - لأجل هذه الكلمات، أو لهذه القضيّة (قَالَ: أَعِدْهَا عَلَيَّ، بَا رَسُولَ اللهِ، فَفَعَلَ) أي فأعادها - صلى اللَّه عليه وسلم - عليه مرّة ثانيةَ (ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "وَأُخرَى) يحتمل أن يكون مرفوعًا، مبتدءًا خبره محذوف، أي عندي خصلة أخرى، وأن يكون مفعولاً لفعل محذوف، أي أعلّمك خصلة أخرى. وقال الطيبيّ: "أخرى" صفة موصوف محذوف، وهو مبتدأ، وقوله: "يُرفع" خبره، أو منصوب على إضمار فعل، أي ألا أبشّرك بشارةً أخرى، وقوله: "يُرفع" صفة، أو حال. وقيل: هناك خصلة أخرى. انتهى.

(يُرْفَعُ) بالبناء للمفعول (بِهَا العَبْدُ، مِائَةَ دَرَجَة فِي الْجَنَّةِ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ، كَمَا بَبنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ") قال القاضي عياض -رحمه اللَّه تعالى-: يحتمل أن هذا على ظاهره، وأن الدرجات هنا المنازل التي بعضها أرفع من بعض في الظاهر، وهذه صفة منازل الجنّة، كما جاء في أهل الغرف أنهم يتراءون كالكوكب الدّريّ. قال: ويحتمل أن المراد الرفعة بالمعنى من كثرة النعيم، وعظيم الإحسان مما لم يخطر على قلب بشر، ولا بصفة مخلوق، وأن أنواع ما أنعم اللَّه به عليه من البرّ والكرامة يتفاضل تفاضلاً كثيرًا، ويكون تباعده في الفضل كما بين السماء والأرض في البعد. قال القاضي: والاحتمال الأول أظهر. قال النوويّ: وهو كما قال. واللَّه تعالى أعلم.


(١) - "شرح النووي على مسلم" ٢/ ٢ "كتاب الإيمان".
(٢) - راجع "صحيح مسلم" بشرح النوويّ ٢/ ٢ "كتاب الإيمان".