للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قلت (١): والقاطع في الباب من أن فرض الرجلين الغسل ما قدمناه، وما ثبت من قوله - صلى الله عليه وسلم - "ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار" فخوفنا بذكر النار على مخالفة مراد الله عز وجل، ومعلوم أن النار لا يعذب بها إلا من ترك الواجب، ومعلوم أن المسح ليس شأنه الاستيعاب ولا خلاف بين القائلين بالمسح أن ذلك على ظهورهما لا على بطونهما عندهم، وإنما ذلك يدرك بالغسل لا بالمسح.

ودليل آخر من جهة الإجماع، وذلك أنهم اتفقوا على أن من غسل قدميه فقد أدى الواجب عليه، واختلفوا فيمن مسح قدميه، فاليقين ما أجمعوا عليه دون ما اختلفوا فيه.

ونقل الجمهور كافة عن كافة عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يغسل رجليه في وضوئه مرة واثنين وثلاثا حتي ينقيها، وحسبك بهذا حجة في الغسل مع ما بيناه فقد وضح وظهر أن قراءة الخفض المعنى فيها الغسل لا المسح كما ذكرناه، وأن العامل في قوله {وَأَرْجُلَكُمْ} قوله {فَاغْسِلُوا}.

والعرب قد تعطف الشيء على الشيء بفعل ينفرد به أحدهما تقول: أكلت الخبز واللبن أي وشربت اللبن، ومنه قول الشاعر:

عَلفْتُهَا تبْنًا وَمَاءً بَارِدًا (٢) … ...........

وقال الآخر (من الكامل):

وَرآيْتُ زَوْجَكِ في الوَغَى … مُتَقلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا


(١) القائل هو القرطبي.
(٢) رجز مشهور لم يعرف قائله وعجز البيت: ........... … حتَّى غَدَت هَمَّالةً عَيْنَاهَا
وبعضهم أورد له صدرا وجعل المذكور هكذا:
لما حَطَطْتُ الرَّحْلَ عَنْهَا وَاردَا .. عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَاردَا
اهـ من هامش القرطبي بتغيير يسير.