اللَّه تعالى (وَالذِّكْرَ) أي ذكر الناس له بالشجاعة (مَالَهُ؟) أي أيّ شيء من الأجر له، هل يحصل له الأجر الذي أراده من اللَّه تعالى، أم ليس له منه شيء؟ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لَا شَيْءَ لَهُ) أي ليس له شيء من الأجر؛ لتشريكه في نيّته (فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) أي أعاد المسألة الرجل السائل على النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -؛ للتأكّد من هذا الأمر العظيم (يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: لَا شَيْءَ لَهُ) أي يجيبه - صلى اللَّه عليه وسلم - بأنه لا شيء من الأجر الذي أشرك معه قصد الذكر بين الناس (ثُمَّ قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقبَلُ مِنَ العَمَلِ، إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا) من شوائب الأعراض النفسيّة (وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ) ببناء الفعل للمفعول، أي طُلب بذلك العمل وجهه سبحانه وتعالى.
وهذا الحديث يدلّ على أن المؤمن لا يُقبل منه عمل صالح إذا لم يقصد به وجه ربّه -عَزَّ وَجَلَّ-، وهو معنى قوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف:١١٠].
فإن كان هذا شأن المؤمن، فماذا يكون حال الكافر بربه، إذا لم يخلص له في عمله؟ الجواب في قوله تعالى:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}[الفرقان: ٢٣]، وعلى افتراض أن بعض الكفّار يقصدون بعملهم الصالح وجه اللَّه تعالى على كفرهم، فإن اللَّه تعالى لا يُضيع ذلك عليهم، بل يُجازيهم عليها في الدنيا، وبذلك جاء النصّ الصريح عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وهو قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إن اللَّه لا يظلم مؤمنًا حسنةً، يُعطى بها -وفي رواية "يثاب عليها الرزق في الدنيا- ويُجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيُطعم بحسنات ما عمل بها للَّه في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يُجزى بها". رواه مسلم ٨/ ١٣٥ وأحمد ٣/ ١٢٥.
وهذه هي القاعدة في هذه المسألة أن الكافر يجازى على عمله الصالح شرعًا في الدنيا، فلا تنفعه حسناته في الآخرة، ولا يُخفّف عنه العذاب بسببها، فضلاً عن أن ينجو منه.
وهذا في حسنات الكافر الذي يموت على كفره، كما هو ظاهر الحديث، وأما إذا أسلم، فإن اللَّه تبارك وتعالى يكتب له كلّ حسناته التي كان عمل بها في كفره، ويجازيه بها في الآخرة، كما جاء بذلك أحاديث كثيرة، كحديث أبي سعيد الخدريّ - رضي اللَّه عنه - مرفوعًا:"إذا أسلم العبد، فحسن إسلامه، كتب اللَّه له كلّ حسنة كان أزلفها، ومُحيت عنه كلّ سيئة كان أزلفها، ثم كان بعد ذلك القصاص، الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، والسيّئة بمثلها إلا أن يتجاوز اللَّه عنها". حديث صحيح، أخرجه مالك في "الموطإ"، والنسائيّ، والبيهقيّ في "شُعَب الإيمان".