للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وسكون الكاف، وفتح اللام، مبنيًّا للمفعول، أي لا يُجرحُ (أَحَدٌ) قيَده في رواية همّام، عن أبي هريرة بالمسلم، فهذا الفضل خاصّ بالمسلمين؛ لأن من قاتل في كفره لا يُسمّى مقاتلاً في سبيل اللَّه تعالى، كما قيّده بقوله (فِي سَبِيلِ اللهِ) أي لإعلاء كلمة اللَّه تعالى (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ) جملة معترضةٌ، قصد بها التنبيه على شرطيّة الإخلاص في نيل هذا الثواب، فهذا الثواب إنما هو لمن أخلص فيه، وقاتل لتكون كلمة اللَّه هي العليا. قال النووي: قالوا: وهذا الفضل، وإن كان ظاهره أنه في قتال الكفّار، إلا أنه يدخل فيه من خرج في سبيل اللَّه في قتال البغاة، وقُطّاع الطريق، وفي إقامة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ونحو ذلك. واللَّه تعالى أعلم (١).

وكذا قال ابن عبد البرّ: إن مخرج الحديث في قتال الكفّار، ويدخل فيه بالمعنى هذه الأمور، واستشهد على ذلك بقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من قُتل دون ماله فهو شهيد".

لكن تَعَقَّبَ هذا كلّه وليُّ الدين بقوله: وقد يُتَوَقَّفُ في دخول المقاتل دون ماله في هذا الفضل؛ لإشارة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - إلى اعتبار الإخلاص في ذلك في قوله: "واللَّه أعلم بمن يُكلم في سبيله"، والمقاتل دون ماله لا يقصد بذلك وجه اللَّه، إنما يقصد صون ماله، وحفظه، فهو يفعل ذلك بداعية الطبع، لا بدّاعية الشرع، ولا يلزم من كونه شهيدًا أن يكون دمه يوم القيامة كريح المسك، وأيّ بذل بذل نفسه فيه للَّه تعالى حتى يستحقّ هذا الفضل، واللَّه أعلم انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما قاله وليّ الدين فيه نظر؛ لأن الذي يقاتل دون ماله لا يستبعد أن يخلص نيته فيه للَّه تعالى، لإن اللَّه تعالى شرع صون المال، وحفظه؛ فإذا قاتل لأجل ذلك فقد حصل قتاله للَّه تعالى.

لكن عندي توقّفٌ في صحّة قياس الأشياء المذكورة في كلام النوويّ وغيره؛ إذ قتال الكفّار له المكانة العليا، فلا يستقيم إلحاق غيره به في خصوصيته، فالذي يظهر أن هذا الفضل مخصوص بمن قاتل الكفّار. واللَّه تعالى أعلم.

(إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَجُرْحُهُ) -بضمّ الجيم- (يَثْعَبُ دَمًا) بفتح أوله، وسكون المثلّثة، وفتح العين المهملة، آخره موحّدة: أي يَجري متفجّرًا، أي كثيرًا، قال النوويّ: وهو بمعنى الرواية الأخرى: "يتفجّر دمًا" انتهى. قال السنديّ: وكلام بعضهم يقتضي أنه بالبناء للمفعول: أي يسيل انتهى (٣).


(١) - "شرح مسلم" ١٣/ ٢٦.
(٢) - "طرح التثريب" ٧/ ٢٠٠.
(٣) - "شرح السندي" ٦/ ٢٩.