الأعقاب التي رآها كذلك لم يمسها الماء، أو يكون المراد الأعقاب التي صفتها هذه، لا كل الأعقاب. ومنها ما قيل: إن اللام للاختصاص النافع، إذا المشهور أن اللام تستعمل في الخير "وعلى" في الشر، نحو {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}[البقرة: آية ٢٨٦].
وأجيب بأنها للإختصاص ها هنا نحو {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}[الإسراء: ٧] ونحو {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[البقرة: ١٠]، قلت: وقد تستعمل اللام في موضع "على"، وقالوا: إن اللام في "وإن أسأتم فلها" بمعنى عليها.
ومنها ما قيل: كيف أخر الصحابة رضي الله عنهم الصلاة عن الوقت الفاضل، أجيب بأنهم إنما أخروها عنه طمعا أن يصلوها مع النبي - صلى الله عليه وسلم - لفضل الصلاة معه، فلما خافوا الفوات استعجلوا فأنكر عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ومنها ما قيل: رَوَى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، رأى رجلا لم يغسل عقبه فقال:"ويل للأعقاب من النار" وكذلك حديث مسلم عن عبد الله بن عمرو الذي مضى ذكره عن قريب، وفيه "فانتهينا إليهم، وأعقابهم تلوح، لم يمسها الماء" فقال عليه الصلاة والسلام: "ويل للأعقاب من النار" وهذان الحديثان تصريح بأن الوعيد وقع على عدم استيعاب الرجل بالماء، وحديث البخاري يدل على أن المسح لا يجزئ عن الغسل في الرجل وأجيب بأنه تُرَّدُ الأحاديث إلى معنى واحد، ويكون معنى قوله:"لم يسمها الماء" أي بالغسل، وإن مسها بالمسح، فيكون الوعيد وقع على الاقتصار على المسح دون الغسل. اهـ عمدة القارئ [جـ ١ ص ٣٨٤]. والله تعالى أعلم.