القتيل في سبيل اللَّه" (فَإِنَّهُ) أي القتيل (يُحِبُّ أَنَّ يَرْجِعَ، فَيُقْتَلَ) بالنصب عطفًا على ما قبله (مَرَّةً أُخْرَى") منصوب على الظرفيّة متعلّق بما قبله.
والمعنى: أن القتيل في سبيل اللَّه تعالى يحبّ الرجوع إلى الدنيا في وقت آخر، حرصًا على تحصيل فضل الشهادة مرارً، لا لاختياره نفس الدنيا على الآخرة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: حديث عبادة بن الصامت - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا صحيح، وهو من أفراد المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، أخرجه هنا-٣٣/ ٣١٦٠ - وفي "الكبرى" ٢٩/ ٤٣٦٧. واللَّه تعالى أعلم.
[تنبيه]: حديث عبادة - رضي اللَّه عنه - المذكور أخرجه الإمام أحمد -رحمه اللَّه تعالى- في "مسنده" جـ٥/ ص ٣١٨ - فقال:
- حدثنا محمد بن بَكْر، ورَوْح، وعبد الرزاق، قالوا: أخبرنا ابن جريج، قال: وقال سليمان بن موسى أيضا: حدثنا كثير بن مرّة، أن عبادة بن الصامت حدثهم، أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال:"ما على الأرض، من نفس تموت، ولها عند اللَّه تبارك وتعالى خير، تحب أن ترجع إليكم، إلا المقتول". وقال روح:"إلا القتيل في سبيل اللَّه، فإنه يحب أن يرجع، فَيُقتَل مرّة أخرى" انتهى.
وهذا الإسناد رجاله ثقات، إلا أن فيه ابن جريج، وهو مدلّسٌ، غير أن سند المصنّف يشهد له.
وقد أخرج الإمام الدراميّ -رحمه اللَّه تعالى- في "سننه" جـ٢/ص ٢٠٦ - من حديث أنس - رضي اللَّه عنه -، فقال:
- أخبرنا أبو علي الحنفي، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ما من نفس تموت، فتدخل الجنّة، فتَوَدُّ أنها رجعت إليكم، ولها الدنيا وما فيها، إلا الشهيد، فإنه وَدَّ أنه قُتِلَ كذا مرّة؛ لما رأى من الثواب" انتهى.
وهذا إسناد صحيح رجاله رجال الصحيح، وقد أخرجه الشيخان بمعناه، كما تقدّم بيانه عند شرح حديث رقم ٣٠/ ٣١٥٤ - وهو نحو الحديث الآتي في الباب التالي. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".