للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رواية ابن حبّان، والحاكم (١): سمعت عثمان بن عفّان - رضي اللَّه عنه - في مسجد الخيف بمنى … (يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - يَقُولُ) وفي رواية الترمذيّ من طريق هشام ابن عبد الملك، عن الليث: سمعت عثمان بن عفّان على المنبر، يقول: إني كتمتكم حديثًا سمعته من رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - كراهية تفرّقكم عنّي، ثم قد بدا لي أن أحدّثكموه، ليختار امرؤ لنفسه ما بدا له، فإني سمعت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يقول: رباط يوم … " ("رِبَاطُ يَوْمٍ) أي حبس الشخص نفسه عند ثَغْر من الثغور (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أي لإعلاء كلمة اللَّه تعالى، لا لأمر آخر، من الأعراض الفانية (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ) أي فيما سوى الرباط، أو فيما سوى سبيل اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، فإن السبيل يذكّر، ويؤنّث. قال ابن بزيزة -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: ما حاصله: لا تعارض بين حديث عثمان - رضي اللَّه عنه - هذا، وحديث سلمان - رضي اللَّه عنه - المتقدّم؛ لأنه يُحمل على الإعلام بالزيادة في الثواب عن الأول، أو باختلاف العاملين. قال: الحافظ: أو باختلاف العمل بالنسبة إلى الكثرة والقلّة، ولا يُعارضان أيضًا حديثَ سهل بن سعد الساعديّ - رضي اللَّه عنه -: "رباط يوم في سبيل اللَّه خير من الدنيا وما عليها"؛ لأن صيام شهر وقيامه خير من الدنيا وما عليها انتهى (٢).

وقوله (مِنَ الْمَنَازِلِ) بيان لـ"ما سواه"، أي من منازل الخيرات، والطاعات.

قال القاري: وخُصّ منها المجاهدُ في المعركة بدليل منفصل عقليّ ونقليّ، وهو لا ينافي تفسير الرباط بانتظار الصلاة بعد الصلاة في المساجد، وقوله (٣) - صلى اللَّه عليه وسلم -: "فذالكم الرباط، فذلكم الرباط"؛ لأنه رباط دون رباط، بل هو مشبّه بالرباط للجهاد، فإنه الأصل فيه، أو هذا رباط للجهاد الأكبر، كما أن ذاك رباط للجهاد الأصغر، وتفسير لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} الآية [آل عمران: ٢٠٠]، فإن الرباط الجهاديّ قَدْ فُهِمَ مما قبله، كما لا يخفى

وقال الطيبيّ: [فإن قلت]: هو جمع مُحَلَّى بلام الاستغراق، فيلزم أن يكون المرابط أفضل من المجاهد في المعركة، ومن انتظار الصلاة بعد الصلاة في المسجد، وقد قال فيه: "فذالكم الرباط، فذالكم الرباط"، وقد شرحناه ثمة.

[قلت]: هذا في حقّ من فُرِض عليه المرابطةُ، وتَعَيَّنَ بنصب الإمام على ما سبق في الحديث السابق.

قال القاري: قلت: في الفرض العين، لا يقال: إنه خير من غيره؛ لأنه متعيّن لا


(١) - "صحيح ابن حبّان" رقم (٤٦٠٩) و "مستدرك الحاكم" رقم ٢٤٢٨.
(٢) - "فتح" ٦/ ١٨١.
(٣) - هكذا في "المرقاة" وقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -، والظاهر أن صواب العبارة "في قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -". فتأمّل.