ابن عبد الأعلى، قال لنا ابن وهب: أمّ حرام إحدى خالات النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - من الرضاعة، فلذلك كان يَقِيل عندها، وينام في حجرها، وتفلي رأسه. قال ابن عبد البرّ: وأيهما كان فهي محرم له.
وجزم أبو القاسم ابن الجوهريّ، والداوديّ، والمهلّب فيما حكاه ابن بطّال عنه بما قال ابن وهب، قال: وقال غيره: إنما كانت خالة لأبيه، أو جدّه عبد المطّلب. وقال ابن الجوزيّ: سمعت بعض الحفّاظ يقول: كانت أمّ سُليم أخت آمنة بنت وهب، أمّ رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - من الرضاعة. وحكى ابن العربيّ ما قال ابن وهب، ثم قال: وقال غيره: بل كان النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - معصومًا يملك أربه عن زوجته، فكيف عن غيرها مما هو المنزّه عنه، وهو المبرّأ عن كلّ فعل قبيح، وقول رفث، فيكون ذلك من خصاصه. ثم قال: ويحتمل أن يكون ذلك قبل الحجاب. ورُدّ بأنّ ذلك بعد الحجاب جزمًا.
قال الحافظ: وقد قدّمت في أول الكلام على شرحه أن ذلك كان بعد حجة الوداع. ورَدّ عياض الأول بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال، وثبوت العصمة مُسَلَّم، لكن الأصل عدم الخصوصية، وجواز الاقتداء به في أفعاله حتى يقوم على الخصوصيّة دليل.
وبالغ الدمياطيّ في الردّ على من ادعَى المحرميّة، فقال: ذَهِلَ كلُّ من زعم أنّ أُمّ
حرام إحدى خالات النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - من الرضاعة، أو من النسب، وكلُّ من أثبت لها خؤولة تقتضي محرميّةً؛ لأن أمهاته من النسب، واللاتي أرضعنه معلومات، ليس فيهنّ أحد من الأنصار البتّة، سوى أمّ عبد المطّلب، وهي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لَبِيد بن خِرَاش ابن عامر بن غنم بن عديّ بن النّجّار، وأمّ حرام هي بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر المذكور، فلا تجتمع أمّ حرام، وسلمى إلا في عامر بن غنم جدّهما الأعلى، وهذه خؤولة لا تثبت بها محرميّة؛ لأنها خؤولة مجازيّة، وهي كقوله - صلى اللَّه عليه وسلم - لسعد بن أبي وقّاص:"هذا خالي"؛ لكونه من بني زهرة، وهم أقارب أمّه آمنة، وليس سعدٌ أخًا لأمّه من النسب، ولا من الرضاعة.
ثم قال: وإذا تقرّر هذا، فقد ثبت في الصحيح أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - كان لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه، إلا على أمّ سُلَيم، فقيل له: فقال: "أرحمها قُتِل أخوها معي"، يعني حرام بن مِلْحَان، وكان قد قُتل يوم بئر معونة.
وجمع الحافظ بما حاصله أنهما أختان كانتا في دار واحدة، كلّ واحدة منهما في بيت من تلك الدار، وحرام بن ملحان أخوهما معًا، فالعلّة مشتركة فيهما. قال: وإن ثبتت قصّة أمّ عبد اللَّه بنت ملحان التي تقدّمت قريبًا، فالقول فيها كالقول في أُمّ حرام، وقد انضاف إلى العلّة المذكورة كون أنس خادم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وقد جرت العادة بمخالطة