للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومنعت منه طائفة، واحتجّوا بحديث زهير بن عبد اللَّه يرفعه: "من ركب البحر إذا ارتجّ، فقد برئت منه الذمّة"، وفي رواية: "فلا يلومنّ إلا نفسه". أخرجه أبو عبيد في "غريب الحديث". لكن زهير مختلف في صحبته، وقد أخرج البخاريّ حديثه في "تاريخه"، فقال: عن زهير، عن رجل من الصحابة. وإسناده حسن.

وفيه أيضًا تقييد المنع بالارتجاج، ومفهومه الجواز عند عدمه، وهو المشهور من أقوال العلماء، فإذا غلبت السلامة فالبرّ والبحر سواء.

ومنهم من فرّق بين الرجل والمرأة، وهو عن مالك، فمنعه للمرأة مطلقًا. وحديث الباب حجة للجمهور. وقد تقدّم قريبًا أن أول من ركبه للغزو معاوية بن أبي سفيان في خلافة عثمان - رضي اللَّه تعالى عنهما -. وذكر مالك أن عمر - رضي اللَّه عنه - كان يمنع الناس من ركوب البحر، حتى كان عثمان، فما زال معاوية يستأذنه حتى أذن له. أفاده في "الفتح" (١).

وذكر في موضع آخر بعد أن ذكر نحو هذا: ما نصّه: قال أبو بكر بن العربيّ: ثم منع منه عمر بن عبد العزيز، ثم أذن فيه مَن بَعْدَه، واستقرّ الأمر عليه، ونقل عن عمر أنه إنما منع من ركوبه لغير الحجّ والعمرة، ونحو ذلك. ونقل ابن عبد البرّ أنه يَحرم ركوبه عند ارتجاجه اتفاقًا. وكره مالك ركوب النساء مطلقًا البحر لما يخشى من اطلاعهنّ على عورات الرجال فيه، إذ يتعسّر الاحتراز من ذلك، وخصّ أصحابُهُ ذلك بالسفن الصغار، وأما الكبار التي يمكنهنّ فيهنّ الاستتار بأماكن تخصهّنّ، فلا حرج فيه انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: تبيّن مما تقدّم أن الأرجح قول الجمهور، وهو جواز ركوب البحر للرجال والنساء، إذا غلب على الظنّ السلامة فيه؛ لظاهر حديث الباب. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): استشكل جماعة من أهل العلم دخول النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - على أمّ حرام - رضي اللَّه تعالى عنها -:

فقال الحافظ أبو عمر -رحمه اللَّه تعالى-: أظنّ أنّ أم حرام أرضعت النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، أو أختها أمّ سُليم، فصارت كلّ منهما أمه، أو خالته من الرضاعة، فلذلك كان ينام عندها، وتَنَال منه ما يجوز للمَحْرَم أن يناله من محارمه، ثم ساق بسنده إلى يحيى بن إبراهيم بن مزيّن، قال: إنما استجاز رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أن تَفْلِيَ أم حرام رأسه؛ لأنها كانت منه ذات محرم من قبل خالاته؛ لأن أمّ عبد المطّلب جدّه كانت من بني النجّار. ومن طريق يونس


(١) - "فتح" ٦/ ١٨٣ "كتاب الجهاد والسير".
(٢) - "فتح" ١٢/ ٣٥٠.