إزاري- قال سهل، أي ابن سعد الراوي: ما له رداء- فلها نصفه، قال: ما تصنع بإزارك إن لبسته … " الحديث. ووقع للقرطبيّ في هذه الرواية وهم، فإنه ظنّ أن قوله: "فلها نصفه" من كلام سهل بن سعد، فشرحه بما نصّه: "وقول سهل: ما له رداء" فلها نصفه" ظاهره لو كان له رداء لشركها النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - فيه، وهذا بعيد إذ ليس في كلام النبيّ، ولا الرجل ما يدلّ على شيء من ذلك، قال: ويمكن أن يقال: إن مراد سهل أنه لو كان عليه رداء مضاف إلى الإزار لكان للمرأة نصف ما عليه الذي هو إما الرداء، وإما الإزار لتعليله المنع بقوله:"إن لبسته لم يكن عليك منه شيء"، فكأنه قال: لو كان عليك ثوب تنفرد أنت بلبسه، وثوب آخر تأخذه هي تنفرد بلبسه لكان لها أخذه، فأما إذا لم يكن ذلك فلا انتهى.
وقد أخذ كلامه هذا بعض المتأخّرين، فذكره ملخّصًا، وهو كلام صحيحٌ، لكنه مبنيّ على الفهم الذي دخله الوهم، والذي قال:"فلها نصفه" هو الرجل صاحب القصّة، وكلام سهل إنما هو قوله:"ما له رداء فقط"، وهي جملة معترضة، وتقدير الكلام: ولكن هذا إزاري، فلها نصفه، وقد جاء ذلك صريحًا في رواية أبي غسّان محمد بن مطرّف، ولفظه:"ولكن هذا إزاري، ولها نصفه، قال سهلٌ: وما له رداء".
ووقع في رواية الثوريّ عند الإسماعيليّ:"فقام رجلٌ، عليه إزار، وليس عليه رداء".
ومعنى قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إن لبسته الخ" أي إن لبسته كاملاً، وإلا فمن المعلوم من ضيق حالهم، وقلّة الثياب عندهم أنها لو لبسته بعد أن تشقّه لم يسترها. ويحتمل أن يكون المراد بالنفي نفي الكمال؛ لأن العرب قد تنفي جملة الشيء إذا انتفى كماله. والمعنى: لو شققته بينكما نصفين لم يحصل كمال سترك بالنصف إذا لبسته، ولا هي.
وفي رواية معمر عند الطبرانيّ "ما وجدت واللَّه شيئًا غير ثوبي هذا أشققه بيني وبينها، قال: ما في ثوبك فضلٌ عنك". وفي رواية فضيل بن سليمان:"ولكني أشقّ بردتي هذه، فأعطيها النصف، وآخذ النصف". وفي رواية الدراورديّ:"قال: ما أملك إلا إزاري هذا، قال: أرأيت إن لبسته، فأيّ شيء تلبس؟ ". وفي رواية مبشّر:"هذه الشملة التي عليّ ليس عندي غيرها". وفي رواية هشام بن سعد:"ما عليه إلا ثوبٌ واحدٌ عاقدٌ طرفيه على عنقه". وفي حديث ابن عبّاس وجابر:"واللَّه ما لي ثوبٌ إلا هذا الذي عليّ". وكلّ هذا مما يرجّح الاحتمال الأول. واللَّه أعلم.
ووقع في رواية حماد بن زيد:"فقال: أعطها ثوبًا، قال: لا أجد، قال: أعطها ولو خاتمًا من حديد، فاعتلّ له". ومعنى قوله:"فاعتلّ له" أي اعتذر بعدم وجدانه كما دلّت عليه رواية غيره. ووقع في رواية أبي غسّان قبل قوله:"هل معك من القرآن شيء؟ "