للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ومنها): أن في قوله: "صُعلوك، لا مال له" دليلاً على أن المال من مستحقّات النكاح، وخصال الناكح، وأن الفقر من عيوبه، وأنه لو بُيِّن في العقد، أو عَرفت المرأة منه ذلك، ورضيت به جاز كسائر العيوب.

(ومنها): أن كثرة ضرب النساء عيب يمنع من النكاح، إلا إذا رضيت المرأة به، كما سبق في الذي قبله.

(ومنها): أن من أفرط في الوصف لا يلحقه الكذب، والمبالغ في النعت بالصدق لا يدركه الذمّ، ألا ترى إلى أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال في أبي جهم: "لا يضع عصاه عن عاتقه"، وهو قد ينام، ويُصلّي، ويأكل، ويشرب، ويشتغل بما يحتاج إليه من شغله في دنياه، وإنما أراد المبالغة في وصفه بتأديب النساء.

قال الحافظ أبو عمر -رحمه اللَّه تعالى-: وإنما أراد المبالغة في أدب النساء باللسان واليد، وربما يحسن الأدب بمثله، كما يَصنع الوالي في رعيته. وقد روي عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه قال لرجل أوصاه: "لا ترفع عصاك عن أهلك، وأخفهم في اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-" (١). وروي عنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه قال: "علّق سوطك حيث يراه أهلك" (٢).

قال: ومعنى العصا في هذين الحديثين الإخافة والشدّة بكلّ ما يتهيّأ، ويمكن مما يَجمُلُ، ويَحسُنُ من الأدب فيما يجب الأدب فيه.

وقد قال بعض أصحابنا: إن فيه إباحة ضرب الرجل امرأته ضربًا كثيرًا؛ لأنه قصد به قصد العيب له، والضرب القليل ليس بعيب؛ لأن اللَّه تعالى قد أباحه، قال: ولَمّا لم يغيّر رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - على أبي جهم ما كان عليه من ذلك، كان في طريق الإباحة، وفيما قال من ذلك -واللَّه أعلم- نظر. قال ابن وهب: ذمُّهُ لذلك دليل على أنه لا يجوز فعله، ومن هذا قالت العرب: فلان ليّن العصا، وفلان شديد العصا، يقولون ذلك في الوالي، وما أشبهه، وقال الشاعر [من الطويل]:

لِذِي الْحِلْمِ قَبلَ الْيَوْمِ مَا تَقْرَعُ الْعَصَا … وَمَا عُلِّمَ الإِنْسَانُ إِلَّا لِيَعْلَمَا

وقال معن بن أوس، يصف راعي إبله [من الطويل]:


(١) - ذكره الهيثميّ في "مجمع الزوائد" ٨/ ١٠٦ - عن ابن عمر، وقال: رواه الطبرانيّ في "الصغير" و"الأوسط" وفيه الحسن بن صالح بن حيّ، وثّقه أحمد، وغيره، وضعّفه الثوريّ وغيره.
(٢) - حديث حسنٌ أخرجه أبو نعيم من حديث ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما - بلفظ: "علّقوا السوط حيث يراه أهل البيت". وأخرجه الطبرانيّ من حديث ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - بلفظ: "علقوا السوط حيث يراه أهل البيت، فإنه أدبٌ لهم". انظر "السلسلة الصحيحة" للشيخ الألبانيّ ٣/ ٤٣١ - ٤٣٢ رقم - ١٤٤٦ - و ١٤٤٧.