للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَلَيْهَا شَرِيبٌ وَادِعٌ لَيِّنُ الْعَصَا … يُسَائِلُهَا عَمَّا بِهِ وَتُسَائِلُهْ

وَالعرب تُسمّي الطاعة، والأُلفة، والجماعة العصا، ويقولون: عصا الإسلام، وعصا السلطان، ومن هذا قول الشاعر [من الطويل]:

إِذَا كَانَتِ الْهَيجَاءُ وَانشَقَّتِ العَصَا … فَحِسْبُكَ وَالضَّحَّاكَ سَيْفٌ مُهَنَّدُ

ومنه قول صلة بن أشيم: إياك وقتيل العصا، يقول: إياك أن تقتل، أو تُقتل قتيلاً إذا انشقّت العصا.

والعرب أيضًا تسمّي قرار الظاعن عصًا، وقرار الأمر، واستواءه عصا، فإذا استغنى المسافر عن الظعن، قالوا: قد ألقى عصاه. وقال الشاعر [من الطويل]:

فَأَلقَتْ عَصَاهَا وَاستَقَرَّ بِهَا النَّوَى … كَمَا قَرَّ عَيْنًا بِالإِيَابِ الْمُسَافِرُ

ورُوي أن عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - تمثّلت بهذا البيت حين اجتمع الأمر لمعاوية - رضي اللَّه عنه -. انتهى كلام الحافظ ابن عبد البرّ -رحمه اللَّه تعالى- (١). وهو بحث نفيس. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في اعتبار الكفاءة في النكاح:

(اعلم): أنهم اختلفوا في أوصاف الكفاءة، فقال مالك في ظاهر مذهبه: إنها الدين، وفي رواية عنه: إنها ثلاثة: الدين، والحرّية، والسلامة من العيوب. وقال أبو حنيفة: هي النسب والدين. وقال أحمد في رواية عنه: هي الدين، والنسب خاصّة. وفي رواية أخرج: هي خمسة: الدين، والنسب، والحرّيّة، والصناعة، والمال، وإذا اعتبر فيها النسب، فعنه فيه روايتان: إحداهما: أن العرب بعضهم لبعض أكفاء. الثانية: أن قريشًا لا يكافئهم إلا قرشيّ، وبنو هاشم لا يكافئهم إلا هاشميّ.

وقال أصحاب الشافعيّ: يعتبر فيها الدين، والنسب، والحرّيّة، والصناعة، والسلامة من العيوب المنفّرة. ولهم في اليسار ثلاثة أوجه: اعتباره فيها، وإلغاؤه، واعتباره في أهل المدن، دون أهل البوادي. ذكر هذا كله الإمام ابن القيّم -رحمه اللَّه تعالى- في "زاد المعاد" (٢).

وقال في "الفتح": وقد جزم بأن اعتبار الكفاءة مختصّ بالدين مالك، ونُقل عن ابن عمر، وابن مسعود، ومن التابعين عن محمد بن سيرين، وعمر بن عبد العزيز. واعتبر الكفاءة في النسب الجمهور، وقال أبو حنيفة: قريشٌ أكفاء بعضهم بعضًا، والعرب


(١) - "التمهيد" ١٩/ ١٦١ - ١٦٢.
(٢) - "زاد المعاد" ٥/ ١٦٠.