للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مُقلًّا، ولو كان رفيع النسب، كما هو موجودٌ مشاهدٌ. فعلى الاحتمال الأول يمكن أن يؤخذ من الحديث اعتبار الكفاءة بالمال، لا على الثاني؛ لكونه سيق في الإنكار على من يفعل ذلك انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الصواب عندي أن الحديث سيق لبيان ما هو الحاصل في واقع الناس، ومجتمعهم، وذلك أنهم يعتمدون على المال، ويفتخرون به، وأن ذلك غير معتبر شرعًا، فهو كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} إلى أن قال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣]، فقد أخبر اللَّه تعالى بحكمة خلقه الناس ذكرًا وأنثى، وجعلهم شعوبًا وقبائل، وذلك للتعارف، لا للتفاخر والتناحر، ثم أخبر بأن الرفعة عنده لا تكون من هذه الجهة، وإنما هي من جهة التقوى فقط، فمن اتقى فهو أكرم عند اللَّه، وإن كان وضيع النسب، ومن لم يتّق، فهو أهون على اللَّه، وإن كان شريف النسب، فلا اعتبار بالأنساب دون التقوى.

وكذلك هنا أن الفخر السائد بين الناس هو الفخر بالمال، ولكنه ليس معتبرًا في الشرع إلا إذا كان مع التقوى، والقيام بأداء واجبات المال، وهذا -واللَّه أعلم-أيضًا معنى حديث سمرة - رضي اللَّه عنه -: "الحسب المال، والكرم التقوى". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثالثة): قال الحافظ وليّ أيضًا: ويترتب على هذين الاحتمالين أن المال هل هو معتبر في كفاءة النكاح حتى لا يكون الفقير كفؤًا للغنيّة، أو ليس معتبرًا، فإن الحسب ليس هو المال، وإنما هو النسب، إن جعلناه ذمًّا دلّ على أن المال غير معتبر، وإن جعلناه تقريرًا اعتبرناه، وفي ذلك خلاف لأصحابنا الشافعيّة، والأصحّ عندهم عدم اعتباره، وقد فهم النسائيّ من هذا الحديث هذا المعنى في الجملة، فأورده في "سننه" في "كتاب النكاح"، وبوب عليه "الحسَب". انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قوله: "وإنما هو النسب الخ" فيه نظر، وإنما الحقّ أن يفسر الحسب الشرعيّ بالدين، لا بالنسب، كما مرّ تقريره آنفًا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".


(١) - "فتح" ١٠/ ١٦٨ - ١٦٩. "كتاب النكاح".
(٢) - "طرح التثريب" ٧/ ٢٠ - ٢١.