للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي اللَّه تعالى عنه - (عَنِ النَّبِيِّ، قَالَ: "تُنْكَحُ النِّسَاءُ) وفي "الكبرى": "المرأة". وهو فعلٌ ونائب فاعله. قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: الصحيح في معنى الحديث أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أخبر بما يفعله الناس في العادة، فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع، وآخرها عندهم ذات الدين، لا أنه أمر بذلك انتهى (١).

وقال أبو العباس القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: معنى الحديث أن هذه الخصال الأربع، هي المرغّبة في نكاح المرأة، وهي التي يقصدها الرجال من النساء، فهو خبرٌ عما في الوجود من ذلك، لا أنه أمرٌ بذلك، وظاهره إباحة النكاح لقصد مجموع هذه الخصال، أو لواحدة منها، لكن قصد الدين أولى وأهمّ، ولذلك قال: "فاظفر بذات الدين، تربت يمينك".

قال: ولا يُظنّ من هذا الحديث أن مجموع هذه الأربع، والمساواة فيها هي الكفاءة، فان ذلك لم يقل به أحدٌ من العلماء فيما علمتُ، وإن كانوا قد اختلفوا في الكفاءة ما هي؟ انتهى (٢).

(لِـ) أجل (أَرْبَعَةٍ) وفي نسخة: "لأربع"، ولكلّ وجهٌ، وذلك أن تقدير الأول لأربعة أمور، وتقدير الثاني: لأربع خصال (لِمَالِهَا، وَلِحَسَبهَا) بفتح المهملتين، ثم موحّدة: أي شرفها، والحسب في الأصل الشرف بالآباء، وبالأقارب، مأخوذ من الحساب؛ لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدّوا مناقبهم، ومآثر آبائهم وقومهم، وحسبوها، فيُحكم لمن زاد عدده على غيره. وقيل: المراد بالحسب هنا الفَعَال الحسنة. وقيل: المال. وهو مردود لذكر المال قبله، وذكره معطوفًا عليه. وقد وقع في مرسل يحيى بن جَعْدةَ عند سعيد بن منصور:، على دينها، ومالها، وعلى حسبها، ونسبها". وذكر النسب على هذا تأكيدٌ. ويؤخذ منه أن الشريف النسيب يُستحبّ له أن يتزوّج نسيبةً، إلا إذا تعارض نسيبةٌ غيرُ ديّنة، وغيرُ نسيبة ديّنة، فتُقدّم ذات الدين، وهكذا في كلّ الصفات.

وأما قول بعض الشافعيّة: يُستحبّ أن لا تكون المرأة ذات قرابة قريبة، فإن كان مستندًا إلى الخبر فلا أصل له، أو إلى التجربة، وهو أن الغالب أن الولد بين القريبين يكون أحمق، فهو متّجه.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذه التجربة محلّ نظر. واللَّه تعالى أعلم.


(١) - "شرح مسلم"١٠/ ٢٩٣.
(٢) - "المفهم" ٤/ ٢١٥ - ٢١٦.