للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد تقدم الحديث للمصنّف قبل بابين في -١٠/ ٣٢٢٧ - من طريق عطاء، عن جابر - رضي اللَّه عنه -، وليس فيه ذكر الحسب، بل اقتصر فيه على الدين، والمال، والجمال.

(وَلِجَمَالِهَا) قال في "الفتح": يؤخذ منه استحباب تزويج الجميلة، إلا إن تعارض الجميلة غير الديّنة، وغير الجميلة الديّنة، نعم لو تساوتا في الدين، فالجميلة أولى، ويلتحق بالحسنة الذات الحسنة الصفات، ومن ذلك أن تكون خفيفة الصداق. انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: أخذ استحباب تزويج الجميلة من هذا الحديث محلّ نظر؛ إذ الصحيح أن الحديث خبر عن واقع الناس البخاري بينهم فيما يتعلّق بشأن النكاح، لا أنه أمر بذلك، حتى يُستفاد منه ما ذُكر. فتأمّل. واللَّه تعالى أعلم.

(وَلدِينِهَا، فَاظفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ) أي اطلبها حتى تفوز بها، وتكون محصّلاً بها غاية المطلوب. وفي حديث جابر - رضي اللَّه عنه - المتقدِّم: "فعليك بذات الدين". قال في "الفتح": والمعنى: أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كلّ شيء، لا سيّما فيما تطول صحبته، فأمره النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بتحصيل صاحبة الدين الذي هو غاية البغية. وقد وقع في حديث عبد اللَّه بن عمرو - رضي اللَّه عنه - عند ابن ماجه، رفعه: "لا تَزَوُّجوا النساء لحسنهنَّ، فعسى حسنهنَّ أن يُرديهنّ -أي يهلكهنّ- ولا تَزَوّجوهنّ لأموالهنّ، فعسى أموالهنّ أن تُطغيهنّ، ولكن تزوّجوهنّ على الدين، ولأمة خَرماء سوداء ذات دين أفضل". انتهى (١).

(تَرِبَتْ يَدَاكَ) من باب تعب: أي افتقرتا، كأنهما لصقتا بالتراب. وقال في "الفتح": أي لصقتا بالتراب، وهي كناية عن الفقر، وهو خبر بمعنى الدعاء، لكن لا يراد به حقيقته. وبهذا جزم صاحب "العمدة"، زاد غيره أنّ صدور ذلك من النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في حقّ مسلم لا يُستجاب؛ لشرطه ذلك على ربّه. وحكى ابن العربيّ أن معناه: استغنت. ورُدّ بأن المعروف أترب إذا استغنى، وتَرِب إذا افتقر، ووجّه بأن الغنى الناشئ عن المال تراب؛ لأن جميع ما في الدنيا تُراب، ولا يخفى بُعده. وقيل: معناه ضَعُف عقلك. وقيل: افتقرت من العلم. وقيل: فيه تقدير شرط: أي وقع لك ذلك إن لم تفعل. ورجّحه ابن العربيّ. وقيل: معنى افتقرت خابت.

وصحّفه بعضهم، فقال: بالثاء المثلّثة، ووجّهه بأن معنى ثَرَبَتْ: تفرّقت، وهو مثل حديث: "نُهي عن الصلاة إذا صارت الشمس كالأثارب". وهو جمع ثُرُوب، وأَثْرُب،


(١) - لكن الحديث في سنده الإفريقي عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وقد ضعفه الأكثرون، وقد وثقه أحمد بن صالح المصريّ، وغيره، ويشهد لحديثه هذا حديث الباب، فالظاهر أن حديثه لا ينزل عن درجة الحسن.