للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الثالثة): في فوائده:

(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو إباحة نظر الخاطب مخطوبته قبل أن يتزوّجها؛ وذلك ليكون داعيًا لنكاحها، أو دافعًا لتركها، كما بينه - صلى اللَّه عليه وسلم - في الحديث التالي بقوله: "فإنه أجدر أن يُؤْدَم بينكما". (ومنها): أن هذا مما يُستثى من تحريم نظر وجه الأجنبيّة للضرورة. (ومنها): أن فيه فضلَ الشريعة السمحة، وإحكام توجيهاتها، حيث تراعي مصالح العباد التي تنتظم بها معاشهم، ومعادهم، من غير حصول ندم، وتحسّر على الفائت، فإن الذي يتسارع إلى نكاح امرأة من غير نظر إليها، وتروٍّ في شأنها كثيرًا ما يقع في عكس مراده، إذا لم تعجبه المرأة، ولم تنبسط نفسه إليها، فيؤدّي ذلك إلى فراقها، وإلحاق الضرر بها بقطع أطماعها، فتلافيًا لمثل هذه الأخطار شرع الشارع الحكيم النظر إلى المخطوبة قبل النكاح، وإن كانت أجنبيّة دفعًا لأشدّ المفسدتين بأخفّهما. فما أجمل هذا التشريع، وما أحكمه؟. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في أقوال أهل العلم في حكم النظر إلى المرأة قبل النكاح:

قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: ذهب مالك، وأبو حنيفة، وسائر الكوفيين، والشافعيّ، وأحمد، وجماهير العلماء، إلى استحباب النظر إلى من يريد تزويجها. وحكى القاضي عياض عن قوم كراهته، وهذا خطأ، مخالفٌ لصريح هذا الحديث، ومخالفٌ لإجماع الأمة على جواز النظر للحاجة عند البيع، والشراء، والشهادة، ونحوها.

قال: ثمّ إنه إنما يباح له النظر إلى وجهها، وكفّيها فقط؛ لأنهما ليسا بعورة، ولأنه يُستدلّ بالوجه على الجمال، أو ضدّه، وبالكفّين على خُصُوبة البدن، أو عدمها. قال: هذا مذهبنا، ومذهب الأكثرين. وقال الأوزاعيّ: ينظر إلى مواضع اللحم. وقال داود: ينظر إلى جميع بدنها. وهذا خطأٌ ظاهرٌ، منابذ لأصول السنّة، والإجماع.

قال: ثم مذهبنا، ومذهب مالك، وأحمد، والجمهور أنه لا يُشترط في جواز النظر رضاها، بل له ذلك في غفلتها، ومن غير تقدّم إعلام. لكن قال مالك: أكره نظره في غفلتها، مخافة وقوع نظره على عورة. وعن مالك رواية ضعيفة أنه لا ينظر إليها إلا بإذنها. وهذا ضعيفٌ؛ لأن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قد أذن في ذلك مطلقًا، ولم يشترط استئذانها؛ ولأنها تستحيي غالبًا من الإذن، ولأن في ذلك تغريرًا، فربما رآها، فلم تُعجبه، فيتركها، فتنكسر، وتتأذّى. ولهذا قال أصحابنا: يستحبّ أن يكون نظره إليها قبل الخِطْبة، حتى إن كرهها تركها من غير إيذاء، بخلاف ما إذا تركها بعد الخِطبة. انتهى