للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كلام النوويّ.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الحقّ أن النظر جائز، مطلقًا، فتقييد النظر بالوجه والكقين مخالفٌ لظاهر الحديث، وبهذا يقول داود، وابن حزم، وهو رواية عن أحمد أيضًا، قال ابن القيّم في (تهذيب السنن) وقال: داود: ينظر إلى سائر جسدها، وعن أحمد ثلاث روايات: إحدهنّ ينظر إلى وجهها ويديها. والثانية: ينظر ما يظهر غالبًا، كالرقبة، والساقين، ونحوهما. والثالثة: ينظر إليها كلها عورة، وغيرها، فإنه نصّ عن أحمد على أنه يجوز أن ينظر إليها متجرّدة. انتهى (١).

وقال ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى- في "المغني": قال أحمد في رواية حنبل: لا بأس أن ينظر إليها، وإلى ما يدعوه إلى نكاحها، من يد، وجسمٍ، ونحو ذلك. قال أبو بكر- يعني المروزيّ-: لا بأس أن ينظر إليها عند الخِطْبة حاسرةً.

قال: ووجه جواز النظر إلى ما يظهر غالبًا أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لَمّا أذن في النظر إليها من غير علمها، عُلم أنه أذن في النظر إلى جميع ما يظهر عادةً؛ إذ لا يمكن إفراد الوجه بالنظر مع مشاركة غيره له في الظهور؛ ولأنه يظهر غالبًا، فأُبيح النظر إليه كالوجه؛ ولأنها امرأة أُبيح النظر إليها بأمر الشارع، فأبيح النظر منها إلى ذلك كذوات المحارم انتهى (٢).

وقال أبو محمد بن حزم -رحمه اللَّه تعالى- في "المحلَّى": ومن أراد أن يتزوّج امرأةً حرّةٌ، أو أمة فله أن ينظر منها متغفّلاً لها، وغير متغفّلٍ إلى ما بطن منها، وظهر. قال: وقد اختلف الناس في ذلك، فصحّ عن ابن عمر إباحة النظر إلى ساقها، وبطنها، وظهرها، ويضع يده على عجزها، وصدرها، ونحو ذلك عن عليّ، ولم يصحّ عنه، وصحّ عن أبي موسى الأشعريّ إباحة النظر إلى ما فوق السرّة، ودون الركبة انتهى (٣).

والحاصل أن الصواب إطلاق الجواز، فقد أخرج أحمد في "مسنده" ما هو صريح في إطلاق الجواز، وإن كانت غافلة، فقال -رحمه اللَّه تعالى-:

حدثنا أبو كامل، حدثنا زهير، حدثنا عبد اللَّه بن عيسى، حدثني موسى بن عبد اللَّه ابن يزيد، عن أبي حميد، أو أبي حميدة -قال: وقد رأى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إذا خطب أحدكم امرأة، فلا جناح عليه أن ينظر إليها، إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته، وإن كانت لا تَعلَم".

وهذا إسناد صحيح، والشكّ في الصحابيّ لا يضرّ، فقد صرّح بجواز رؤيتها، وإن


(١) - "تهذيب السنن" ٣/ ٢٥/ ٢٦.
(٢) - "المغني" ٩/ ٤٩٠ - ٤٩١.
(٣) - "المحلّى" ١٠/ ٣٠ - ٣١.