للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كانت غافلة.

وأيضًا فالنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - حينما قال للصحابي: "انظر إليها" ما حدّد له موضعًا للنظر، بل أطلق، وقد تأيد هذا بعمل راويه الصحابيّ - رضي اللَّه عنه -، فقد صحّ أن جابرًا - رضي اللَّه عنه - تخبّأ لمخطوبته حتى ينظر إليها غافلة، فنظر إليها، فأعجبته، فنكحها.

وُيروى أيضًا عن محمد بن مسلمة الأنصاريّ - رضي اللَّه عنه -، وفي سنده حجاج بن أرطاة، وهو ضعيف، ورواه ابن حبّان في "صحيحه"، وفيه ضعف أيضًا، غير أن للحديث طرقًا يتقوّى بمجموعها (١).

وقد صحّ فعله عن عمر - رضي اللَّه عنه -، فقد أخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن أبي عمر، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن محمد بن عليّ ابن الحنفيّة، أن عمر - رضي اللَّه عنه - خطب إلى عليّ ابنته أمّ كلثوم، فذكر له صغرها، فقيل له: إنه ردّك، فعاوده، فقال له عليّ: أبعثُ بها إليك، فإن رضيتَ، فهي امرأتك، فأرسل بها إليه، فكشف عن ساقها، فقالت: مَهْ، لولا أنك أمير المؤمنين لصككتُ عينيك" (٢).

فقد كشف عمر بن الخطاب - رضي اللَّه عنه - عن ساق مخطوبته، ولذا قال الحافظ في "التلخيص": وهذا يُشكل على من قال: إنه لا ينظر غير الوجه والكفّين.

وقال بعض المحقّقين: وتأيّد ذلك بعمل الصحابة - رضي اللَّه عنهم -، ومنهم محمد بن مسلمة، وجابر بن عبد اللَّه، فإن كلًّا منهما قد تخبّأ لخطيبته ديرى منها ما يدعوه إلى نكاحها، أفيظنّ بهما عاقلٌ أنهما تخبّآ للنظر إلى الوجه والكفّين فقط، ومثل عمر بن الخطّاب الذي كشف عن ساقي أم كلثوم بنت عليّ - رضي اللَّه عنه -.

فهؤلاء ثلاثة من كبار الصحابة، أحدهم الخليفة الراشد أجازوا النظر إلى أكثر من الوجه والكفّين، ولا مخالف لهم من الصحابة فيما أعلم انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تلخّص مما ذُكر من الأقوال في هذه المسألة، وأدلّتها أن إطلاق جواز النظر إلى المخطوبة، سواء كان كفيها، ووجهها، أو غيرهما من بدنها، وسواء كان بإذنها، أو لا، هو الحقّ الموافق لظواهر أحاديث الباب، وعمل هؤلاء الصحابة - رضي اللَّه عنهم -، فقد فعله عمر، وجابر، ومحمد بن مسلمة، وصحّ القول به عن ابن عمر، وأبي موسى الأشعريّ، كما تقدّم لي كلام ابن حزم. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[تنبيه]: قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: قال: أصحابنا: وإذا لم يمكنه النظر إليها


(١) - راجع "السلسلة الصحيحة" للشيخ الألبانيّ ١/ ١٥٢ - ١٥٩. رقم ٨٧ و ٩٨ و ٩٩.
(٢) - راجع "الإصابة" ١٣/ ٢٨٠.