للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث

(عَنْ عَائِشَةَ) - رضي اللَّه تعالى عنها -، أنها (قَالَتْ: "تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - فِي شَوَّالٍ، وَأُدْخِلْتُ) بالبناء للمفعول (عَلَيْهِ فِي شَوَّالٍ) ولمسلم: "وبنى بي في شوّال".

قال أبو العبّاس القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: إنما قالت عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - ذلك لتردّ به قول من كان يَكره عقدَ النكاح في شهر شوّال، ويتشاءم به من جهة أنّ شوّالاً من الشَّوْل، وهو الرفع، ومنه شالت الناقة بذنبها، وقد جعلوه كنايةً عن الهلاك؛ إذ قالوا: شالت نعامتهم: أي هلكوا، فشوّالٌ معناه كثير الشول، فإنه للمبالغة، فكأنهم كانوا يتوهّمون أن كلّ من تزوّج في شوّال منهنّ شال الشنآن بيها وبين الزوج، أو شالت نفرته، فلم تحصل لها حظوةٌ عنده، ولذلك قالت عائشة رادّةً لذلك الوهم: "فأيّ نسائه كان أحظى عنده منّي". أي لم يضرّني ذلك، ولا نقص من حظوتي انتهى (١) (وَكَانَتْ عَائِشَةُ) - رضي اللَّه تعالى عنها - (تُحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا) أي نساء قومها على أزواجهنّ (في شَوّالٍ) تبرّكًا بما حصل لها فيه من الخير برسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، ومن الحظوة عنه، ولمخالفة ما يقوله الجهّال من ذلك.

قال القرطبيّ: ومن هذا النوع كراهة الجهّال عندنا اليومَ عقد النكاح في شهر المحرّم، بل ينبغي أن يُتيمّن بالعقد والدخول فيه؛ تمسّكًا بما عظّم اللَّه سبحانه وتعالى، ورسوله - صلى اللَّه عليه وسلم - من حرمته، ورَدْعًا للجهّال عن جهالاتهم انتهى.

[تنبيه]: جملة: "وكانت عائشة تُحبّ أن تُدخل نساءها في شوّال" ليست في "الكبرى وهي في رواية المصنّف معترضة بين قولها: "وأدخلت عليه في شوّال وقولها: "فأيّ نسائه الخ".

وقد ساقه على الوجه مسلم في "صحيحه"، من طريق وكيع، عن سفيان، عن إسماعيل بن أمية، ولفظه: "تزوّجني رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - في شوّال، وبنى بي في شوّال، فأيُّ نساء النبيّ- صلى اللَّه عليه وسلم - كان أحظى عنده منّي، قال: وكانت عائشة تستحبّ أن تُدخل نساءها في شوّال".

(فَأَيُّ نِسَائِهِ) - صلى اللَّه عليه وسلم -، وهو اسم استفهام إنكاريّ، مبتدأ، خبره قوله (كَانَتْ أَحْظَى) أفعل تفضيل من الحظوة. يقال: حَظِيَ عند الناس يَحْظَى، من باب تَعِبَ حِظَةٌ، وزان عِدَةٍ، وحظوةً بضمّ الحاء، وكسرها: إذا أحبّوه، ورفعوا منزلته، فهو حَظِيٌّ، على فَعِيلٍ، والمرأة حَظِيةٌ، إذا كانت عند زوجها كذلك. قاله الفيّوميّ (عِنْدَهُ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (مِنِّي) الظرف،


(١) - "المفهم" ٤/ ١٢٣ - ١٢٤.