(منها): أنه من خماسيات المصنف -رحمه اللَّه تعالى-. (ومنها): أن رجاله كلهم رجال الصحيح، غير شيخه، فالأول من أفراده، والثاني من أفراده والترمذيّ. (ومنها): أنه مسلسل بالمدنيين، غير شيخيه، وسفيان، فمكيون. (ومنها): أن فيه رواية تابعي عن تابعيّ، وفيه سعيد من الفقهاء السبعة، وفيه أبو هريرة من المكثرين السبعة. واللَّه تعالى أعلم.
شرح الحديث
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي اللَّه تعالى عنه -، أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -:، وَقَالَ مُحَمَّدٌ) هو ابن منصور شيخه الأول (عَنِ النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -) يعني أن شيخيه اختلفا في صيغة الأداء، فقال سعيد بن عبد الرحمن:"قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -"، وقال محمد بن منصور:"عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -"، وهذا من احتياطات النسائيّ -رحمه اللَّه تعالى-، حيث يراعي ألفاظ شيوخه، وإن لم يختلف به المعنى، فإنه لا فرق بين قول الصحابيّ:"قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -"،وقوله:"عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -" في كون كلّ منهما محمولاً على الاتصال، إلا أن الورع مقامٌ آخر، كما يقال:"التقوى غير الفتوى"(لَا تَنَاجَشُوا) بحذف إحدى التاءين، إذ أصله:"لا تتناجشوا". و"النّجش" -بفتحتين، أو بفتح، فسكون-: هو أن يمدح السلعة ليُروّجها، أو يزيد في الثمن، ولا يريد شراءها؛ ليغترّ بذلك غيره. والأصل فيه تنفير الوحش من مكان إلى مكان. وإنما عبّر بالتفاعل؛ لأن التجّار يتعاوضون، فيفعل هذا بصاحبه على
أن يُكافئه بمثل ما فعل، فنُهوا عن أن يفعلوا ذلك، معاوضةٌ، فضلاً عن أن يفعلوه بدءًا. وسيأتي تمام البحث فيه في موضعه من "كتاب البيوع" إن شاء اللَّه تعالى.
(وَلَا يَبعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ) جاء على صيغة النهي بسقوط الياء، وعلى صيغة النفي بإثبات الياء، وهو بمعنى النهي، فلذا عُطف على النهي السابق، وكذا ما بعده.
وقال النوويّ: بالرفع على الخبر، والمراد به النهي، وهو أبلغ في النهي؛ لأن خبر الشارع لا يُتصوّر وقوع خلافه، والنهي قد يقع مخالفته، فكأنّ المعنى عاملوا هذا النهي معاملة الخبر المتحتّم. انتهى.
ومعنى الحديث: أنه لا يجوز للمقيم ببلدة أن يبيع السلع التي أتى بها بدوي؛ نفعًا له، بأن يكون دلّالًا؛ لأن ذلك يُلحق الضرر بالحاضرين، فإنه لو ترك البدويّ لباعه لهم بثمن رخيص، وسيأتي تمام البحث فيه في محلّه، إن شاء اللَّه تعالى.
(وَلَا يَبعِ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ) قيل: المراد السوم، والنهي للمشتري دون البائع؛ لأن البائع لا يكاد يدخل عَلى البائع، وإنما المشهور زيادة المشتري على المشتري.