للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "الفتح": "تكتفىء" بالهمز افتعال، من كفأت الإناء إذا قلبته، وأفرغت ما فيه، وكذا يَكفأ، وهو بفتح أوله، وسكون الكاف، وبالهمز، وجاء أكفأت الإناء: إذا أملته، وهو في رواية ابن المسيّب "لتُكفىء" بضمّ أوله، من أكفأت، وهو بمعنى أملته، ويقال: بمعنى كببته أيضًا. انتهى.

وقال النوويّ: معنى هذا الحديث: نهي المرأة الأجنبية أن تسأل الزوج طلاق زوجته، وأن ينكحها، ويُصَيِّر لها من نفقته، ومعروفه، ومعاشرته، ونحوها ما كان للمطلّقة، فعبّر عن ذلك باكتفاء ما الصحفة مجازًا. والمراد بأختها غيرها، سواء كانت أختها من النسب، أو الرضاع، أو الدين. ويُلحق بذلك الكافرة في الحكم، وإن لم تكن أختًا في الدين، إما لأن المراد الغالب، أو أنها أختها في الجنس الآدميّ.

وحمل ابن عبد البرّ الأخت هنا على الضرّة، فقال: فيه من الفقه أنه لا ينبغي أن تسأل المرأة زوجها أن يُطلّق ضرّتها لتنفرد به. وهذا ممكن في الرواية التي وقعت بلفظ: "لا تسأل المرأة طلاق أختها"، وأما الرواية التي فيها لفظ الشرط، فظاهرها أنها في الأجنبية، ويؤيّده قوله فيها: "ولتنكح"، أي ولتتزوّج الزوج المذكور من غير أن تشترط أن يُطلّق التي قبلها. وعلى هذا فالمراد هنا بالأخت الأخت في الدين، ويؤيّده زيادة ابن حبّان في آخره من طريق أبي كثير السُّحَيميّ (١)، عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - بلفظ: "لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، فإن المسلمة أخت المسلمة" (٢). وقد تقدّم نقل الخلاف عن الأوزاعيّ، وبعض الشافعيّة أن ذلك مخصوص بالمسلمة، وبه جزم أبو الشيخ في "كتاب النكاح"، ويأتي مثله هنا، ويجيء على رأي ابن القاسم أن يُستثنى ما إذا كان المسؤول طلاقها فاسقةٌ، وعند الجمهور لا فرق. قاله في "الفتح".

وقوله: "لتستفرغ صحفتها" يفسّر المراد بقوله: "تكتفىء". والمراد بالصحفة ما يحصُل من الزوج كما تقدّم من كلام النوويّ. وقال صاحب "النهاية": الصحفة إناءٌ كالقصعة المبسوطة، قال: وهذا مثَلٌ، يريد الاستئثار عليها بحظّها، فيكون كمن قلب إناء غيره في إنائه. وقال الطيبيّ: هذه استعارة مستملحةٌ تمثيليّةٌ، شبّه النصيب والبَخْتُ (٣) بالصحفة، وحظوظها، وتمتّعاتها بما يوضع في الصحفة، من الأطعمة


(١) - أبو كثير السُّحَيميّ مصغّرًا اليمامي الأعمى، قيل: هو يزيد بن عبد الرحمن. وقيل: يزيد بن عبد اللَّه بن أُذينة، أو ابن غُفَيلة، ثقة، من الثالثة. اهـ "ت".
(٢) - حديث صحيح، أخرجه أحمد في "مسنده" ٢/ ٣١١، وابن حبّان في "صحيحه" ٩/ ٣٧٨ رقم ٤٠٧٠.
(٣) - بفتح الموحّدة، وسكون الخاء المعجمة: هو الجَدّ، والحظّ.