للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فلم يَرجِع إليّ شيئًا". فقوله: "صَمَتَ" أي سكت وزنًا ومعنًى، وقوله: "فلم يرجع الخ" تأكيد لرفع المجاز؛ لاحتمال أن يُظنّ أنه صمت زمانًا، ثم تكلّم. قاله في "الفتح". (فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ - رضي اللَّه عنه -) أي أشدّ مَوْجِدةً، أي غَضَبًا على أبي بكر - رضي اللَّه عنه - من غضبي على عثمان - رضي اللَّه عنه -، وذلك لأمرين:

[أحدهما]: ما كان بينهما من أكيد المودّة؛ ولأن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - كان آخى بينهما. وأما عثمان فلعلّه كان تقدّم من عمر ردّه، فلم يَعتِب عليه، حيث لم يُجبه لما سبق منه في حقّه.

[والثاني]: لكون عثمان أجابه أوّلًا، ثم اعتذر له ثانيًا، ولكون أبي بكر لم يُعِدْ عليه جوابًا.

ووقع في رواية ابن سعد: "فغضِبَ على أبي بكر، وقال فيها: كنت أشدّ غضبًا حين سكت منّي على عثمان".

(فَلَبِثتُ لَيَالِيَ، فَخَطَبَهَا إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ) - رضي اللَّه تعالى عنه - (فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ) أي غضبت، يقال: وَجَدَ عليه، من باب ضرب، مَوْجِدَةً: إذا غَضِبَ (حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ، فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ شَيْئًا؟) بفتح حرف المضارعة، وكسر الجيم، أي لم أُعِدْ عليك الجواب (قُلتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّهُ) الضمير للشأن، أي إن الأمر والشأن (لَم يَمْنَعْنِي حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ، أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ شَيْئًا، إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - يَذْكُرُهَا) وفي رواية ابن سعد: "فقال أبو بكر: إن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - قد كان ذكر منها شيئًا، وكان سرًّا". قال في "الفتح": ولعلّ اطلاع أبي بكر على أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قصد خِطبة حفصة كان بإخباره - صلى اللَّه عليه وسلم - له إما على سبيل الاستشارة، وإما لأنه كان لا يكتم عنه شيئًا مما يريده حتى ولا ما في العادة عليه غضاضة، وهو كون ابنته عائشة عنده، ولم يمنعه ذلك من إطلاعه على ما يريد؛ لوثوقه بإيثاره إياه على نفسه، ولهذا أطلع أبا بكر على ذلك قبل إطلاع عمر الذي يقع الكلام معه في الخِطْبة. انتهى (١).

(وَلَمْ أَكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) وفي رواية ابن سعد: "وكرهت أن أُفشي سرّ رسول اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -".

ثم إنه يحتمل أن يكون سبب كتمان أبي بكر - رضي اللَّه عنه - ذلك أنه خشي أن يبدو لرسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أن لا يتزوّجها، فيقع في قلب عمر انكسار. والله تعالى أعلم.

(وَلَوْ تَرَكَهَا نَكَحْتُهَا) وفي رواية صالح المذكورة: "ولو تركها رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قبلتها".


(١) - "فتح" ١٠/ ٢٢٢. "كتاب النكاح".