للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عنده منها، هل بقي منه شيء، أو لا؟. واللَّه تعالى أعلم (١).

(قَالَ: زَيْدُ) (فَانْطَلَقْتُ) وفي رواية مسلم: "فانطلق زيد، حتى أتاها، وهي تخُمّر عَجِينها، قال: فلما رأيتها عظُمت في صدري، حتى ما أستطيع أن أنظر إليها، أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - ذكرها، فولّيت ظهري، ونكصت على عَقِبي، فقلت: يا زينب، أرسل رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يذكرك … " الحديث.

قال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: معنى هذا الكلام أنه لمّا خطبها النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وعَلِمَ زيد أنها صالحة لأن تكون من أزواج النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، ومن أمهات المؤمنين، حصل لها في نفسه صورة أخرى، وإجلالٌ زائدٌ على ما كان لها عنده في حال كونها زوجته، وتوليته إياها ظهره مبالغةٌ في التحرّز من رؤيتها، وصيانةٌ لقلبه من التعلّق بها، على أن الحجاب إذ ذاك لم يكن مشروعًا بعدُ، على ما يدلّ عليه بقيّة الخبر انتهى (٢).

(فَقُلْتُ: يَا زَيْنَبُ، أَبْشِرِي) بقطع الهمزة، وكسر الشين المعجمة، من أبشر رباعيًّا، يقال: أَبْشَرَ الرجلُ إبشارًا: إذا فَرِحَ، قال الشاعر [من الخفيف]:

ثُمَّ أَبْشَرتُ إِذْ رَأَيْتُ سَوَامَا … وَبُيُوتًا مَبْثُوثَةً وَجِلَالَا

أو بوصل الهمزة، وضمّ الشين المعجمة، وفتحها، من بَشَرْتُ بكذا، من باب نصر، وفَرِح: إذا فرحتَ به، ففيه ثلاث لغات، ويتعدّى أيضًا، فيقال: بَشَرتُهُ، من باب نصر، وبشّرته بالتضعيف، وأبشرته بالهمزة: إذا أفرحته. وإنما سميت البشارة به؛ لأن بَشَرَة الإنسان تنبسط عند السرور. أفاده في "لسان العرب".

(أَرْسَلَنِي إِلَيْكِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، يَذْكُرُكِ) أي يخطبك، وهذه الجملة علة لأمرها بالبشرى، أي افرَحي لأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - خطبك (فَقَالَتْ) زينب - رضي اللَّه تعالى عنها - (مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا، حَتَّى أَسْتَأْمِرَ رَبِّي) أي أستخيره، وانظر أمره على لسان رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فلماَ وَكَلَت أمرها إلى اللَّه تعالى، وصحّ تفويضها إليه، تولّى اللَّه تعالىِ إنكاحها منه - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولم يُحوجها إلى من يتولّى عقد نكاحها، ولذلك قال تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} الآية [الأحزاب: ٣٧]، ولما أعلمه اللَّه تعالى بذلك دخل عليها بغير وليّ، وتجديد عقد، ولا تقرير صداق، ولا شيء مما يكون شرطًا في حقنا، ومشروعًا لنا، وهذا من خصائصه - صلى اللَّه عليه وسلم - اللاتي لا يشاركه فيها أحد بإجماع المسلمين. قاله القرطبيّ (٣)

(فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدِهَا) بفتح الجيم، وكسرها: أي موضع صلاتها من بيتها لتصلّي


(١) - "راجع الفتح" ٩/ ٤٨٠. "تفسير سورة الأحزاب".
(٢) - "المفهم" ٤/ ١٤٦.
(٣) - "المفهم" ٤/ ١٤٧.