للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والحاصل أن الذي كان يُخفيه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - هو إخبار اللَّه إياه أنها ستصير زوجته، والذي كان يحمله على إخفاء ذلك خشية قول الناس تزوّج امرأة ابنه، وأراد اللَّه إبطال ما كان أهل الجاهليّة عليه من أحكام التبنّي بأمر لا أبلغ في الإبطال منه، وهو تزوّج امرأة الذي يُدعَى ابنًا، ووقوع ذلك من إمام المسلمين ليكون أدعى لقبولهم، وإنما وقع الخبط في تأويل متعلّق الخشية. واللَّه تعالى أعلم.

وأخرج الترمذيّ، من طريق داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن عائشة - رضي اللَّه عنها -، قالت: "لو كان رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، كاتما شيئا من الوحي، لكتم هذه الآية: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} يعني بالإسلام {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} يعني بالعتق، فأعتقته {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} إلى قوله {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [الأحزاب: ٣٧] وإن رسوِل اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - لما تزوجها، قالوا: تزوج حليلة ابنه، فأنزل اللَّه تعالى {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: ٤٠]، وكان رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - تبناه، وهو صغير، فلبث حتى صار رجلا، يقال له: زيد بن محمد، فأنزل اللَّه {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} فلان مولى فلان، وفلان أخو فلان، {هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: ٥] يعني أعدل.

قال أبو عيسى: هذا حديث غريب (١)، قد روي عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، قالت: لو كان النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، كاتما شيئا من الوحي، لكتم هذه الآية: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} هذا الحرف، لم يرو بطوله.

وقال ابن العربيّ: إنما قال - صلى اللَّه عليه وسلم - لزيد: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} اختبارًا لما عنده من الرغبة فيها، أو عنها، فلما أطلعه زيد على ما عنده منها من النفرة التي نشأت من تعاظمها عليه، وبذاءة لسانها أذن له في طلاقها، وليس في مخالفة متعلّق الأمر لمتعلّق العلم ما يمنع من الأمر به. واللَّه أعلم (٢).

(قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: لِزَيْدٍ: "اذْكُرْهَا عَلَيَّ") يقال: ذكر المرأة: إذا خطبها. وقيل: تعرّض لخِطبتها (٣). أي اخطبها لأجلي من نفسها، والتمس نكاحها لي. وإنما أرسل النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - زيدا؛ لئلا يظنّ أحدٌ أن ذلك وقع قهرًا بغير رضاه، وفيه أيضًا اختبار ما كان


(١) - حديث ضعيف لأن في سنده داود بن الزبرقان متروك.
(٢) - راجع "الفتح" ٩/ ٤٧٩ - ٤٨٠.
(٣) - ذكر هذا المعنى ابن الأثير في "النهاية"، وذكره أيضًا في "لسان العرب"، قال: وفي حديث عليّ - رضي اللَّه عنه -: "أن عليًّا يذكُرُ فاطمة" أي يخطبها. وقيل: يتعرّض لخِطْبتها. انتهى.