قال في "الفتح": وهذا الإطلاق محمول على البعض، وإلا فالمحقَّق أن التي زوّجها أبوها منهنّ عائشة، وحفصة، فقط، وفي سودة، وزينب بنت خُزيمة، وجويرية احتمال، وأما أمّ سلمة، وأم حبيبة، وصفيّة، وميمونة، فلم يُزوِّجْ واحدةً منهنّ أبوها. انتهى.
وفي رواية له من طريق ثابت، عن أنس - رضي اللَّه عنه -: "فكانت زينب تفخر على أزواج النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، تقول: زوّجكنّ أهاليكنّ، وزوّجني اللَّه تعالى من فوق سبع سماوات". ووقع عند ابن سعد من وجه آخر، عن أنس بلفظ:"قالت زينب يا رسول اللَّه، إني لستُ كأحد من نسائك، ليست منهنّ امرأة إلا زوّجها أبوها، أو أخوها، أو أهلها غيري". وسنده ضعيف. ومن وجه آخر موصول عن أم سلمة:"قالت زينب ما أنا كأحد من نساء النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، إنّهنّ زُوّجْنّ بالمهور، زوّجهنّ الأولياء، وأنا زوَّجني اللَّه رسوله - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأنزل اللَّه في الكتاب". وفي مرسل الشعبيّ:"قالت زينب: يا رسول اللَّه، أنا أعظم نسائك عليك حقًّا، أنا خيرهنّ مُنكحًا، وأكرمهنّ سَفِيرًا، وأقربهنّ رحمًا، فزوّجنيك الرحمن من فوق عرشه، وكان جبريل هو السفير بذلك، وأنا ابنة عمتك، وليس لك من نسائك قريبة غيري". أخرجه الطبرانيّ، وأبو القاسم الطحاويّ في "كتاب الحجّة والتبيان" له. قاله في "الفتح"(١).
[تنبيه]: قال الكرمانيّ: قوله: "في السماء" ظاهره غير مراد، إذ اللَّه منزّهٌ عن الحلول في المكان، لكن لما كانت جهة العلوّ أشرف من غيرها أضافها إليه؛ إشارةً إلى علوّ الذات والصفات انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى: الحقّ أن هذا، وأمثاله، كقوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، وكحديث ينزل ربّنا إلى سماء الدنيا كلّ ليلة … " الحديث، يُحمل على ظاهره، مع اعتقاد التنزيه للَّه تعالى عن مشابهة خلقه في صفاته، وقوله: إذ اللَّه منزّه عن الحلول في المكان صحيح، لكن لا يلزم من إثبات هذه الصفات له الحلول في المكان؛ وإثما يأتي هذا التخيل من قياس الغائب بالشاهد، فاللَّه سبحانه وتعالى له صفاته اللائقة به، كما قال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}: فتبصّر بالإنصاف، ولا تتحيّر بالاعتساف. واللَّه تعالى أعلم.
(وَفِيهَا) أي في شأن زواج زينب - رضي اللَّه تعالى عنها - (نَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ) أي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الآية، ففي رواية البخاريّ من رواية