أَبِي قلابة، قال: أنس بن مالك: أنا أعلم الناس بهذه الآية، آيةِ الحجاب، لَمّا أُهديت زينب بنت جحش، - رضي اللَّه عنها -، إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، كانت معه في البيت، صنع طعاما، ودعا القوم، فقعدوا يتحدثون، فجعل النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - يخرج، ثم يرجع، وهم قعود يتحدثون، فأنزل اللَّه تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} إلى قوله: {مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ}، فضرب الحجاب، وقام القوم.
وفي رواية له من عبد العزيز بن صُهيب، عن أنس - رضي اللَّه عنه -، قال: بُنِيَ على النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، بزينب بنت جحش، بخبز ولحم، فأرسِلتُ على الطعام داعيا، فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون، ثم يجيء قوم، فيأكلون ويخرجون، فدعوت حتى ما أجد أحدا أدعو، فقلت: يا نبي اللَّه ما أجد أحدا أدعوه، قال:"ارفعوا طعامكم"، وبقي ثلاثة رهط، يتحدثون في البيت، فخرج النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فانطلق إلى حجرة عائشة، فقال:"السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللَّه"، فقالت: وعليك السلام ورحمة اللَّه، كيف وجدت أهلك، بارك اللَّه لك، فتَقَرَّى حُجَر نسائه كلهن، يقول لهن كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة، ثم رجع النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فإذا ثلاثة من رهط في البيت يتحدثون، وكان النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - شديد الحياء، فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة، فما أدري آخبرته، أو أُخبر أن القوم خرجوا، فرجع حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب داخلة، وأخرى خارجة، أرخى الستر بيني وبينه، وأُنزلت آية الحجاب.
[تنبيه]: وقع في رواية مجاهد، عن عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - لنزول آية الحجاب سبب آخر، أخرجه المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- في "الكبرى" رقم -١١٤١٩ - ولفظه:"قالت: كنت آكل مع النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - حَيسًا في قَعْبٍ، فمرّ عمر - رضي اللَّه عنه -، فدعاه، فأكل، فاصابت أصبعه أصبعي، فقال: حَسٌ -أو أوّه- لو أطاع فيكنّ ما رأتكنّ عين، فنزل الحجاب".
ويمكن الجمع -كما قال الحافظ- بأن ذلك وقع قبل قصّة زينب، فلقربه منها أُطلقت نزول الحجاب بهذا السبب، ولا مانع من تعدّد الأسباب.
وقد أخرج ابن مردويه من حديث ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما -، قال: دخل رجلٌ على النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فأطال الجلوس، فخرج النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - ثلاث مرّات؛ ليخرج، فلم يفعل، فدخل عمر - رضي اللَّه عنه -، فرأى الكراهية في وجهه، فقال للرجل: لعلّك آيت النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لقد قمتُ ثلاثًا؛ لكي يتبعني، فلم يفعل"، فقال له عمر - رضي اللَّه عنه -: يا رسول اللَّه، لو اتخذت حجابًا، فإن نساءك لسن كسائر النساء، وذلك أطهر لقلوبهنّ،