(من غَيْرِ الفَرِيضَةِ) فيه احتراز عن صلاة الصبح مثلًا. ويحتمل أن يريد بالفريضة عينها وما يتعلّق بها، فيُحترز عن الراتبة، كركعتي الفجر مثلًا.
وقال النوويّ في "الأذكار": لو دعا بدعاء الاستخارة عقب صلاة الظهر مثلًا، أو غيرها من النوافل الراتبة، والمطلقة، سواء اقتصر على ركعتين، أو أكثر أجزأ. قال الحافظ: كذا أطلق، وفيه نظر. ويظهر أن يقال: إن نوى تلك الصلاة بعينها، وصلاة الاستخارة معًا أجزأ، بخلاف ما إذا لم ينو، ويفارق صلاة تحية المسجد؛ لأن المراد بها شَغلُ البقعة بالدعاء (١)، والمراد بصلاة الاستخارة أن يقع الدعاء عقبها، أو فيها، ويبعد الإجزاء لمن عرض له الطلب بعد فراغ الصلاة؛ لأن ظاهر الخبر أن تقع الصلاة والدعاء بعد وجود إرادة الأمر.
وأفاد النوويّ أنه يقرأ في الركعتين الكافرون والإخلاص. قال الحافظ العراقيّ في "شرح الترمذيّ": لم أقف على دليل ذلك، ولعله ألحقها بركعتي الفجر، والركعتين بعد المغرب، قال: ولهما مناسبة بالحال لما فيهما من الإخلاص والتوحيد، والمستخير محتاج لذلك. قال: والمناسب أن يقرأ فيهما مثل قوله: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ}، وقوله:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}.
وقال الحافظ: والأكمل أن يقرأ في كلّ منهما السورة، والآية الأوليين في الأولى، والأخريين في الثانية انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قالوه يحتاج إلى دليل، فإذ ثبت قلنا به، وإلا فالأمر واسع، لا تقييد فيه بشيء مما ذُكر. فتبصّر، ولا تتحيّر. واللَّه تعالى أعلم.
(ثُمَّ يَقُولُ) هذا ظاهر في كون الدعاء بعد تمام الصلاة. قال في "الفتح": ثم هو ظاهر في تأخير الدعاء عن الصلاة، فلو دعا به في أثناء الصلاة احتمل الإجزاء. ويحتمل الترتيب على تقديم الشروع في الصلاة قبل الدعاء، فإن موطن الدعاء في الصلاة السجود، أو التشهّد. انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الأولى عندي أن يكون الدعاء بعد التسليم من الصلاة؛ لأن "ثم" ظاهرة في الترتيب والمهلة، فيكون معنى المهلة هنا أن يؤخر الدعاء عن الصلاة. واللَّه تعالى أعلم.
[فائدة]: قال ابن أبي جمرة -رحمه اللَّه تعالى-: الحكمة في تقديم الصلاة على الدعاء
(١) - هكذا نسخة: "الفتح"، والظاهر أن الصواب: "شغل البقعة بالصلاة". واللَّه تعالى أعلم.