منه، والدرس له، والمحافظة عليه. ويحتمل أن يكون من جهة الاهتمام به، والتحقيق لبركته، والاحترام له. ويحتمل أن يكون من جهة كون كلّ منهما عُلم بالوحي. قاله في "الفتح".
(يَقولُ) زاد عند أبي داود: "لنا"، والجملة بيان لقوله:"يعلّمنا الاستخارة"(إِذًا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ) قال ابن أبي جمرة ترتيب الوارد على القلب على مراتب: الهمّة، ثمّ اللَّمَّة، ثمّ الْخَطْرَة"، ثمّ النّيّة، ثمّ الإرادة، ثمّ العزيمة.
فالثلاثة الأُوَلُ لا يؤاخذ بها بخلاف الثلاثة الأُخر، فقوله: "إذا همّ" يُشير إلى أوّل ما يَرِدُ على القلب، يستخير، فيظهر له ببركة الصلاة والدعاء ما هو الخير، بخلاف ما إذا تمكن الأمر عنده، وقَوِيت فيه عزيمته وإرادته، فإنه يَصير إليه له ميلٌ، وحُبّ، فيُخشى أن يَخفى عنه وجه الأرشديّة؛ لغلبة ميله إليه.
قال: ويحتمل أن يكون المراد بالهمّ العزيمة؛ لأن الخاطر لا يثبت، فلا يستمرّ إلا على ما يقصد التصميم على فعله، وإلا لو استخار في كلّ خاطر لاستخار فيما لا يُعبأ به، فتضيع عليه أوقاته.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الاحتمال الأول بعيدٌ جدًّا عن معنى الحديث، فلا ينبغي الالتفات إليه، بل الاحتمال الثاني هو المتعيّن، ويؤيّده ما وقع في حديث ابن مسعود - رضي اللَّه عنه -: "إذا أراد أحدكم أمرًا فليقل". واللَّه تعالى أعلم.
(فَلْيَرْكَع) الأمر فيه للندب، كما سيأتي تحقيقه في "المسألة الرابعة، إن شاء اللَّه تعالى (رَكعَتَينِ) هذا يقيّد مطلق حديث أبي أيّوب حيث قال: "صلّ ما كتب اللَّه لك".
قال في "الفتح": ويمكن الجمع بأن المراد أنه لا يقتصر على ركعة واحدة؛ للتنصيص على الركعتين، ويكون ذكرهما على سبيل التنبيه بالأدنى على الأعلى، فلو صلّى أكثر من ركعتين أجزأه.
والظاهر أنه يشترط إذا أراد أن أن يزيد على الركعتين أن يُسلّم من كلّ ركعتين ليحصل مسمّى ركعتين، ولا يُجزىء لو وصل أربعًا بتسليمة، وكلام النوويّ يُشعر بالإجزاء انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قوله: "ويمكن الجمع الخ" فيه نظر لا يخفى، بل الظاهر تقييد المطلق في حديث أبي أيوب بهذا الحديث، وأما دلالته على جواز أكثر من ركعتين فبعيدة، فتنبّه.
والحاصل أن السنّة أن يقتصر على الركعتين، كما هو المنصوص عليه في حديث الباب. واللَّه تعالى أعلم.