للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في قوله: "فليقل"، ولتشبيهه بتعليم السورة من القرآن.

[فإن قيل]: الأمر تعلق بالشرط، وهو قوله: "إذا همّ أحدكم بالأمر".

[قلنا]: وكذلك في التشهّد إنما يؤمر به من صلى. ويمكن الفرق، وإن اشتركا فيما ذُكر أن التشهّد جزء من الصلاة، فيؤخذ الوجوب من قوله عمرو: "صلّوا كما رأيتوني أصلّي". ودلّ على عدم وجوب الاستخارة ما دلّ على عدم وجوب صلاة زائدة على الخمس في حديث: "هل عليّ غيرها؟، قال: لا إلا أن تطوع" انتهى.

قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: وهذا وإن صلح للاستدلال به على عدم وجوب ركعتي الاستخارة، لكن لا يمنع من الاستدلال به على وجوب دعاء الاستخارة، فكأنهم فهموا أن الأمر فيه للإرشاد، فعدلوا به عن سنن الوجوب، ولما كان مشتملاً على ذكر اللَّه، والتفويض إليه كان مندوبًا. واللَّه أعلم انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي الأولى أن يعلّل عدم وجوب الدعاء بكونه تابعًا للصلاة، فلما لم تجب هي لم يجب هو أيضًا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): اختُلف فماذا يفعل المستخير بعد الاستخارة:

قال ابن عبد السلام -رحمه اللَّه تعالى- يفعل ما اتفق، ويستدلّ له بقوله في بعض طرق حديث ابن مسعود - رضي اللَّه عنه - في آخره، ثم يَعزم، وأول الحديث: "إذا أراد أحدكم أمرًا فليقل". وقال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى- في "الأذكار": يفعل بعد الاستخارة ما يَنشرح به صدره، ويستدلّ له بحديث أنس - رضي اللَّه عنه - عند ابن السنّيّ: "إذا هممت بأمر، فاستخر ربّك سبعًا، ثم انظر إلى الذي يَسبق في قلبك، فإن الخير فيه".

قال الحافظ: وهذا لو ثبت لكان هو المعتمد، لكن سنده واهٍ جدًّا. والمعتمد أنه لا يفعل ما ينشرح به صدره مما له فيه هوىً قويّ قبل الاستخارة، وإلى ذلك الإشارة بقوله في آخر الحديث أبي سعيد - رضي اللَّه عنه -: "ولا حول، ولا قوّة إلا باللَّه". انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يظهر لي أن ما قاله ابن عبد السلام -رحمه اللَّه تعالى- هو الأولى؛ لأن فائدة الاستخارة هو أن ييسّر اللَّه تعالى لعبده المستخير ما هو الأصلح له، فإذا اتفق له شيءٌ ما، وتيسّر له بعد أن استخار اللَّه تعالى، وفوّض إليه أمره، وسأله أن ييسّر له، فذاك إشارة إلى استجابته سبحانه وتعالى له، فلا ينبغي له أن يتوقّف في تنفيذ ذلك؛ إذ هو الأصلح له. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".


(١) - "فتح" ١٢/ ٤٨١. "كتاب الدعوات".