للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٣٥/ ٥٣٩٦. وأخرجه (أحمد) في "باقي مسند الأنصار" ٢٦١٥٧ و ٢٦١٨ و ٢٦١٨٢. واللَّه تعالى أعلم.

[تنبيه]: رجح الحافظ ابن كثير -رحمه اللَّه تعالى- أنّ الذي أمرته أم سلمة - رضي اللَّه تعالى عنها - بتزويجها من رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - هو سلمة بن أبي سلمة: ونصّه بعد أن حكى القصّة: وقالت لعمر آخرَ ما قالت له: قم، فزوّج النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - تعني قد رضيت، وأذنت. فتوهّم بعض العلماء أنها تقول لابنها عمر بن أبي سلمة، وقد كان إذ ذاك صغيرًا، لا يلي مثله العقد. وقد جمعت في ذلك جزءًا مفردًا بينتُ فيه الصواب في ذلك -وللَّه الحمد والمنّة- وأن الذي ولِى عقدها عليه ابنها سلمة بن أبي سلمة، وهو أكبر ولدها، وساغ هذا؛ لأن أباه ابن عمّها، فللابن ولاية أمّه إذا كان سببًا لها من غير جهة البنوّة بالإجماع، وكذا إذا كان معتقًا، أو حاكمًا، فأما محض البنّوّة فلا يلي بها عقد النكاح عند الشافعيّ وحده، وخالفه الثلاثة: أبو حنيفة، ومالك، وأحمد -رحمهم اللَّه تعالى- انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: لم يتبين لي وجه ترجيح ابن كثير -رحمه اللَّه تعالى- كون الذي تولى الإنكاح هو سلمة ولدها، وليس هو عمر بن أبي سلمة ولدها الآخر، فليُنظر. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثانية): في اختلاف أهل العلم في اشتراط الوليّ في النكاح:

قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: اختلف العلماء في اشتراط الوليّ في صحّة النكاح، فقال مالك، والشافعيّ: يُشترط، ولا يصحّ نكاح إلا بوليّ. وقال أبو حنيفة: لا يشترط في الثيّب، ولا في البكر البالغة، بل لها أن تزوّج نفسها بغير إذن وليّها. وقال أبو ثور: يجوز أن تزوّج نفسها بإذن وليها، ولا يجوز بغير إذنه. وقال داود: يشترط الوليّ في تزويج البكر دون الثيّب.

واحتجّ مالكٌ، والشافعيّ بالحديث المشهور: "لا نكاح إلا بوليّ". وهذا يقتضي نفي الصحّة. واحتجّ داود بأن الحديث المذكور في مسلم (٢) صريح في الفرق بين البكر والثيب، وأن الثيّب أحقّ بنفسها، والبكر تُستأذن.

قال النوويّ: وأجاب أصحابنا عنه بأنها أحقّ، أي شريكة في الحقّ، بمعنى أنها لا تُجبر، وهي أيضًا أحقّ في تعيين الزوج.

واحتجّ أبو حنيفة بالقياس على البيع وغيره، فإنها تستقلّ فيه بلا وليّ، وحَمَلَ


(١) راجع "البداية والنهاية" ٤/ ٩٢. (في جملة من الحوادث الواقعة سنة أربع من الهجرة".
(٢) يعني حديث ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما -، مرفوعًا: "الأيّم أحقّ بنفسها من وليّها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها".