للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأحاديث الواردة في اشتراط الوليّ على الأمة والصغيرة، وخصّ عمومها بهذا القياس، وتخصيص العموم بالقياس جائزٌ عند كثيرين من أهل الأصول.

واحتجّ أبو ثور بالحديث المشهور: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل"، ولأن الوليّ إنما يُراد ليختار كفؤًا لدفع العار، وذلك يحصل بإذنه.

قال العلماء: ناقض داود مذهبه في اشتراط الوليّ في البكر دون الثيّب؛ لأنه إحداث قول في مسألة مختلف فيها، ولم يُسبق إليه، ومذهبه أنه لا يجوز إحداث مثل هذا. واللَّه أعلم. انتهى كلام النوويّ (١).

وقال أبو عبد اللَّه القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- عند قوله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ} الآية [البقرة: ٢٢١]: في هذه الآية دليل بالنصّ على أنه لا نكاح إلا بوليّ: قال محمد ابن عليّ بن الحسين: النكاح بوليّ في كتاب اللَّه، ثم قرأ: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ}. قال ابن المنذر: ثبت عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "لا نكاح إلا بوليّ".

وقد اختلف أهل العلم في النكاح بغير ولي، فقال كثير من أهل العلم: لا نكاح إلا بوليّ، روي هذا عن عمر بن الخطّاب، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي هريرة - رضي اللَّه عنهم -، وبه قال سعيد بن المسيّب، والحسن البصريّ، وعمر بن عبد العزيز، وجابر بن زيد، وسفيان الثوريّ، وابن أبي ليلى، وابن شُبْرُمة، وابن المبارك، والشافعيّ، وعُبيد اللَّه بن الحسن، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد. قال القرطبيّ: وهو قول مالك، وأبي ثور، والطبريّ.

قال أبو عمر: حجة من قال: لا نكاح إلا بوليّ أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قد ثبت عنه أنه قال: "لا نكاح إلا بوليّ"، رَوَى هذا الحديثَ شعبة، والثوريّ، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - مرسلًا، فمن يَقبل المرسل يلزمه قبوله، وأما من لا يقبل المراسيل، فيلزمه أيضًا؛ لأن الذين وصلوه من أهل الحفظ، والثقة، وممن وصله إسرائيل، وأبو عوانة، كلاهما عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -. وإسرائيل، ومن تابعه حُفّاظٌ، والحافظ تُقبل زيادته، وهذه الزيادة يعضِدها أصولٌ؛ قال اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}. وهذه الآية نزلت في معقل بن يسار إذ عَضَلَ أخته عن مراجعة زوجها. قاله البخاريّ. ولولا أن له حقًّا

في الإنكاح ما نُهي عن العضل.

ومما يدلّ على هذا أيضًا من الكتاب قوله: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ}، وقوله:


(١) "شرح مسلم" ٩/ ٢٠٩.