للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ}، فلم يُخاطب تعالى بالنكاح غير الرجال، ولو كان إلى النساء لذكرهنّ. وقال تعالى: حكايةً عن شُعيب في قصّة موسى - عليهما السلام -: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ} الآية. وقال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} الآية.

فقد تعاضد الكتاب والسنّةُ على أن لا نكاح إلا بوليّ. قال الطبريّ: في حديث حفصة حين تأيمت، وعقد عمر عليها النكاح، ولم تعقده هي إبطالُ قولِ من قال: إن للمرأة البالغة المالكة لنفسها تزويج نفسها، وعقد النكاح، دون وليّها، ولو كان ذلك لها لم يكن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - ليدع خِطْبة حفصة لنفسها، إذا كانت أولى بنفسها من أبيها، وخطبها إلى من لا يملك أمرها، ولا العقد عليها، وفيه بيان قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "الأيّم أحقّ بنفسها من وليّها" أن معنى ذلك أنها أحقّ بنفسها في أنه لا يَعقِد عليها إلا برضاها لا أنها أحقّ بنفسها في أن تعقد عقد النكاح على نفسها دون وليّها.

وروى الدارقطنيّ عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا تزوّج المرأة المرأةَ، ولا تزوّج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوّج نفسها". قال: حديث صحيح (١). وروى أبو داود من حديث سفيان، عن الزهريّ، عن عروة، عن عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -، قالت: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - "أيما امرأة نَكَحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل -ثلاث مرّات-، فإن دخل بها فالمهر بما أصاب منها، فان تشاجروا فالسلطان وليّ من لا وليّ له". وهذا حديث صحيح (٢).

ولا اعتبار بقول ابن عُليّة، عن ابن جُريج، أنه قال: سألت عنه الزهريّ، فلم يَعرفه". ولم يقل هذا أحدٌ عن ابن جريج غير ابن عليّة. وقد رواه جماعةٌ عن الزهريّ لم يذكروا ذلك، ولو ثبت هذا عن الزهريّ لم يكن في ذلك حجّةٌ؛ لأنه قد نقله عنه ثقاتٌ، منهم سليمان بن موسى، وهو ثقة إمامٌ، وجعفر بن ربيعة، فلو نسيه الزهريّ لم يضره ذلك؛ لأن النسيان لا يُعصَم منه ابن آدم، قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "نَسي آدم، فنسيت ذرّيته" (٣)، وكان - صلى اللَّه عليه وسلم - ينسى، فمن سواه أحرى أن ينسى، ومن حفظ حجة على من نسي، فإذا رَوَى الخبر ثقة، فلا يضرّه نسيان من نسيه، هذا لو صحّ ما حَكى ابن عليّة، عن ابن جريج،


(١) هو صحيح، كما قال، لكن الجملة الأخيرة موقوفة على أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، كما رواه الدارقطنيّ بسند على شرط الشيخين، فقال: قال أبو هريرة: "كنا نعدّ التي تُنكح نفسها هي الزانية". انظر ما كتبه الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" ٦/ ٢٤٨ - ٢٤٩.
(٢) هو صحيح كما قال، وقد أجاد البحث فيه الشيخ الألباني حفظه اللَّه في "إرواء الغليل"، فراجعه ٦/ ٢٤٣ - ٢٤٧.
(٣) حديث صحيح، أخرجه الترمذيّ في "الجامع" في "كتاب التفسير".