فلو عقد عليها بغير استئذان لم يصحّ.
وذهب آخرون إلى أنه يجوز للأب أن يزوّجها، ولو كانت بالغة بغير استئذان، وهو قول ابن أبي ليلى، ومالك، والليث، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق.
ومن حجّتهم مفهوم حديث الباب؛ لأنه جعل الثيّب أحقّ بنفسها من وليّها، فدلّ على أن وليّ البكر أحقّ بها منها.
واحتجّ بعضهم بحديث يونس بن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، مرفوعًا: "تُستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها"، قال: فقيّد ذلك باليتيمة، فيحمل المطلق عليه.
وفيه نظر -كما قال الحافظ- لحديث ابن عباس الآتي بلفظ: "والبكر يستأمرها أبوها" فنصّ على ذكر الأب.
وأجاب الشافعيّ بأن المؤامرة قد تكون عن استطابة النفس. ويؤيّده حديث ابن عمر، رفعه: "آمروا النساء في بناتهنّ"، أخرجه أبو داود. قال الشافعيّ: لا خلاف أنه ليس للأمّ أمرٌ، لكنه على معنى استطابة النفس.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: لكن الحديث ضعيفٌ، لا يصلح للاستدلال به. واللَّه تعالى أعلم.
وقال البيهقيّ: زيادة ذكر الأب في حديث ابن عباس غير محفوظة، قال الشافعيّ: زادها ابن عُيينة في حديثه. وكان ابن عمر، والقاسم، وسالم يزوّجون الأبكار لا يستأمرونهنّ. قال البيهقيّ: والمحفوظ في حديث ابن عباس: "البكر تُستأمر"، ورواه صالح بن كيسان بلفظ: "واليتيمة تُستأمر"، وكذلك رواه أبو بردة، عن أبي موسى، ومحمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، فدلّ على أن المراد بالبكر اليتيمة.
قال الحافظ: وهذا لا يدفع زيادة الثقة الحافظ بلفظ الأب، ولو قال قائلٌ: بل المراد باليتيمة البكر لم يُدفع، و"تُستأمر" بضمّ أوله يدخل فيه الأب وغيره، فلا تعارض بين الروايات.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: كلام الحافظ هذا حسنٌ جدًّا.
وحاصله أن رواية "يستأذنها أبوها" صحيحة؛ لأنها زيادة ثقة حافظ، وهو سفيان بن عيينة، وأيضًا إن رواية "تُستأذن" لا تنافيها، إذ الاستئذان يعمّ الأب، وغيره، وأما رواية "اليتيمة" فتردّ إلى معنى "البكر" جمعًا بين الروايات.
والحاصل أن ما ذهب إليه الأولون -وهو عدم جواز تزويج البكر البالغة بغير إذنها- هو الأرجح، لظهور أدلّته. واللَّه تعالى أعلم.