للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الحديث متّفق عليه، وقد تقدّم شرحه مستوفىً قبل باب. و"هشام": هو الدستوائيّ.

وقوله: "الأيّم" المراد هنا الثيّب التي فارقت زوجها بموت، أو طلاق، لمقابلتها بالبكر، وهذا هو الأصل في "الأيّم"، ومنه قولهم: "الغَزوُ مَأْيَمَةٌ" أي يُقتل الرجالُ، فتصير النساء أيامى. وقد تُطلق على كلّ من لا زوج لها صغيرةً كانت، أو كبيرةً، بكرًا كانت، أو ثيّبًا. وتقدم تمام البحث فيه.

وقوله: "حتّى تستأمر" بالبناء للمفعول، أصل الاستئمار طلب الأمر، فالمعنى لا يُعقد عليها حتى يُطلب الأمر منها. ويؤخذ من قوله: "تُستأمر" أنه لا يَعقد عليها وليّها إلا بعد أن تأمر بذلك، وليس فيه دلالة على عدم اشتراط الوليّ في حقّها، كما زعم بعض أهل العلم، بل فيه إشعارٌ باشتراطه. أفاده في "الفتح" (١).

وقوله: "ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن": قال في "الفتح": كذا وقع في هذه الرواية التفرقة بين الثيّب والبكر، فعبّر للثيّب بالاستئمار، وللبكر بالاستئذان، فيؤخذ منه فرق بينهما من جهة أن الاستئمار يدلّ على تأكيد المشاورة، وجعل الأمر إلى المستأمرة، ولهذا يحتاج الوليّ إلى صريح إذنها في العقد، فهذا صرّحت بمنعه امتنع اتفاقًا، والبكر بخلاف ذلك، والإذن دائرة بين القول والسكوت بخلاف الأمر، فإنه صريحٌ في القول، وإنما جعل السكوت إذنًا في حقّ البكر لأنها قد تستحي أن تُفصح انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تقدّم للمصنّف في الباب الماضي من طريق أبي إسماعيل القنّاد، عن يحيى بلفظ الاستئذان في الثيّب، والاستئمار في البكر، فعندي أن هذا من تصرّفات الرواة، والظاهر أنه لا فرق بين العبارتين، كما يدلّ عليه تصرّف المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- في تراجمه، حيث عبّر في -٣١ - باستئذان البكر، وفي -٣٢ - باستئمار الأب البكر، حسب اختلاف الروايات، فالذي يظهر أن الروايات بعضها باللفظ، وبعضها بالمعنى، فلا تعارض بينها. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".


(١) "فتح" ١٠/ ٢٤١.
(٢) "فتح" ١٠/ ٢٤٠ - ٢٤١.