للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خَسيسته: إذا فعل به فعلًا يكون فيه رِفْعَته. قاله ابن الأثير (١). وقال في "اللسان": قال الأزهريّ: يقال: رفع اللَّه خسيسةَ فلانٍ: إذا رفع حاله بعد انحطاطها انتهى (٢) (وَأَنَا كَارِهَةٌ) جملة حاليّة من ضمير المتكلّم (قَالَتِ) عائشة لها (اجْلِسِي حَتَّى يَأْتِيَ النَّبِيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَأَخْبَرَتهُ) أي ما صنع أبوها بها من تزويجها من ابن أخيه، وهي كارهة (فَأَرْسَلَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (إِلَى أَبيهَا، فَدَعَاهُ، فَجَعَلَ الأَمْرَ إِلَيْهَا) أي لها الاختيار بين البقاء مع زوجها، وبين تركها إياه (فقَالَت: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي) أي من التزيج لمن كرهته (وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَعلَمَ أَلِلنِّسَاءِ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ؟) الهمزة للاستفهام، و"للنساء" جارٌ ومجرور خبر مقدّم، لـ"شيء"، و"من الأمر" حال منه، وكان في الأصل صفة له، لكن لما قُدّم أُعرب حالًا؛ لأن القاعدة أن نعت النكرة إذا قدّم عليها يعرب حالًا.

وتعني بذلك أن مرادها في مرافعة أبيها إلى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - ليس إبطال النكاح، وإنما فعلت ذلك لتَعلم، وتتبيّن هل النساء لهنّ حقّ في أمر نكاحهنّ، بحيث لا يحلّ تزويجهنّ إلا برضاهنّ، أو ليس لهنّ من الأمر شيء، وإنما هو للأولياء فقط، يزوّجوهنّ كيف شاءوا، فبيّن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أن الأمر لهنّ، لا للأولياء، فلا يحلّ لهم أن يزوّجوهنّ إلا برضاهنّ. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - هذا صحيح، وقد أشار المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في "الكبرى" إلى تقويته، حيث قال: "قال أبو عبد الرحمن: هذا الحديث يوثّقونه" انتهى (٣).

[فإن قلت]: كيف يكون صحيحًا، وفيه انقطاع؛ لأن عبد اللَّه بن بُريدة لم يسمع من عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -، كما قال الدارقطنيّ؟.

[قلت]: إنما صحّ لأمور:

(أحدها): أنه متّصل على طريقة الإمام مسلم -رحمه اللَّه تعالى-، وهي أن المعاصرة تكفي في الاتصال، حيث إن عبد اللَّه بن بُريدة عاصر عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - مدّة طويلة، فإنه وُلد سنة (١٥) من الهجرة، وماتت هي سنة (٥٧) وقيل: بعدها.


(١) "النهاية" ٢/ ٣١.
(٢) "لسان العرب" في مادّة "خسس".
(٣) "السنن الكبرى" ٣/ ٢٨٤.