وروى حمّاد بن سلمة، عن حبيب بن الشهيد، عن ميمون بن مِهران، عن يزيد بن الأصمّ، عن ميمونة، قالت: تزوّجني رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بسرِف، وهما حلالان بعد ما رجعا من مكّة. وذكر عبد الرزّاق، قال: أخبرني معمر، عن الزهريّ، قال: أخبرني يزيد بن الأصمّ: أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - تزوّج ميمونة حلالًا.
قال أبو عمر: قد نقل قومٌ حديث يزيد بن الأصمّ مرسلًا؛ لظاهر رواية الزهريّ، وليس كما ظهر، إلا رواية الزهريّ، فحملت للتأويل، وجاز لمن أخبرته ميمونة أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - تزوّجها حلالًا أن يُخبر بأن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - تزوّج ميمونة حلالًا، يُحدّث به هكذا وحده، يقول: حدّثتني ميمونة أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -تزوّجها حلالًا.
على أنهم يلزمهم مثله في حديث ابن عبّاس:"أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - تزوّج ميمونة، وهو محرم؛ لأنه ليس فيه أن ميمونة أخبرته، وموضع ابن عبّاس من ميمونة بموضع يزيد بن الأصمّ سواء. انتهى كلام ابن عبد البرّ -رحمه اللَّه تعالى- (١).
وقال في "الفتح": قال الأثرم: قلت لأحمد: إن أبا ثور يقول: بأيّ شيء يُدفَع حديث ابن عبّاس؟ -أي مع صحّته- قال: فقال: اللَّه المستعان، ابن المسيّب يقول: وَهِمَ ابن عبّاس، وميمونة تقول: تزوّجني وهو حلال انتهى.
وقد عارض حديث ابن عباس حديث عثمان: "لا ينكح المحرم، ولا يُنكح" أخرجه مسلم.
ويُجمع بينه وبين حديث ابن عبّاس يحمل حديث ابن عبّاس على أنه من خصائص النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -.
وقال ابن عبد البرّ: اختلفت الآثار في هذا الحكم، لكن الرواية أنه تزوّجها، وهو حلال، جاءت من طرق شتّى، وحديث ابن عبّاس صحيح الإسناد، لكن الوهم إلى الواحد أقرب منه إلى الجماعة، فأقلّ أحوال الخبرين أن يتعارضا، فتطلب الحجة من غيرهما، وحديث عثمان صحيح في منع نكاح المحرم، فهو المعتمد انتهى.
ومنهم من حمل حديث عثمان على الوطء. وتُعُقّب بأنه ثبت فيه: "لا يَنكِح" بفتح أوله، و"لا يُنكَح" بضمّ أوله، "ولا يخطب". ووقع في "صحيح ابن حبّان" زيادة: "ولا يُخطب عليه". ويترجح حديث عثمان بأنه تقعيد قاعدة، وحديث ابن عبّاس واقعة عين، تحمل أنواعًا من الاحتمالات:
[فمنها]: أن ابن عبّاس كان يرى أن من قلّد الهدي يصير محرمًا، كما تقدّم تقرير ذلك