في "الحجّ"، والنبي - صلى اللَّه عليه وسلم - كان قلّد الهدي في عمرته تلك التي تزوّج فيها ميمونة، فيكون إطلاقه أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - تزوّجها، وهو محرمٌ، أي عقد عليها بعد أن قلّد الهدي، وإن لم يكن تلبّس بالإحرام، وذلك أنه كان أرسل إليها أبا رافع يخطبها، فجعلت أمرها إلى العبّاس، فزوّجها من النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -.
وقد أخرج الترمذيّ، وابن خزيمة، وابن حبّان في "صحيحيهما" من طريق مطر الوراق، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سليمان بن يسار، عن أبي رافع:"أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - تزوّج ميمونة، وهو حلالٌ، وبنى بها، وهو حلال، وكنت أنا الرسول بينهما". قال الترمذيّ: لا نعلم أحدًا أسنده غير حماد بن زيد، عن مطر. ورواه مالك، عن ربيعة، عن سليمان، مرسلًا.
[ومنها]: أن قول ابن عباس تزوّج ميمونة، وهو محرم، أي داخل الحرام، أو في الشهر الحرام، قال الأعشى [من الرمل]:
أي في البلد الحرام. وإلى هذا التأويل جنح ابن حبّان، فجزم به في "صحيحه".
وعارض حديثَ ابن عباس أيضًا حديثُ يزيد بن الأصمّ:"أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - تزوّج ميمونة، وهو حلالٌ". أخرجه مسلم من طريق الزهريّ، قال:"وكانت خالته، كما كانت خالة ابن عباس". وأخرج مسلم من وجه آخر عن يزيد بن الأصمّ، قال:"حدّثتني ميمونة أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - تزوّجها، وهو حلال، قال: وكانت خالتي، وخالة ابن عبّاس".
وأما أثر ابن المسيّب الذي أشار إليه أحمد، فأخرجه أبو داود. وأخرج البيهقيّ من طريق الأوزاعيّ، عن عطاء، عن ابن عبّاس … الحديث، قال: وقال سعيد بن المسيّب: ذَهِلَ ابنُ عباس، وإن كانت خالته، ما تزوّجها إلا بعد ما أحلّ.
قال الطبريّ: الصواب من القول عندنا أن نكاح المحرم فاسدٌ؛ لصحّة حديث عثمان - رضي اللَّه عنه -. وأما قصّة ميمونة، فتعارضت الأخبار فيها، ثم ساق من طريق أيوب، قال: أُنبئت أن الاختلاف في زواج ميمونة إنما وقع لأن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - كان بعث إلى العبّاس ليُنكحها إياه، فأنكحه، فقال بعضهم: أنكحها قبل أن يُحرم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وقال بعضهم: بعد ما أحرم، وقد ثبت أن عمر، وعليًّا، وغيرهما من الصحابة فرّقوا بين محرم نكح، وبين امرأته، ولا يكون هذا إلا عن ثبت. انتهى.