للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تلخّص مما تقدّم أن حديث كونه - صلى اللَّه عليه وسلم - تزوّج ميمونة - رضي اللَّه تعالى عنها -، وهما حلالان أرجح من حديث ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - تزوّجها، وهما محرمان؛ لموافقته لحديث عثمان - رضي اللَّه عنه -، مرفوعًا: "لا يَنكح المحرم، ولا يُنكح"، وأما حديث ابن عبّاس، فقابل للتأويلات المذكورة، فلا يُعارض الأول. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[تنبيه]: قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: حديث ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - قد جاء مثله صحيحًاعن عائشة، وأبي هريرة - رضي اللَّه تعالى عنهما -، فأما حديث عائشة، فأخرجه النسائيّ من طريق أبي سلمة عنها، وأخرجه الطحاويّ، والبزار، من طريق مسروق عنها، وصححه ابن حبّان، وأكثر ما أُعلّ بالإرسال، وليس ذلك بقادح فيه. وقال النسائيّ (١): "أخبرنا عمرو بن عليّ، أنبأنا أبو عاصم، عن عثمان بن الأسود، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة مثله"، قال عمرو بن عليّ: قلت لأبي عاصم: أنت أمليت علينا من الرقعة ليس فيه عائشة، فقال: دع عائشة، حتى انظر فيه، وهذا إسناد صحيح، لولا هذه القصّة، لكن هو شاهد قويّ أيضًا.

وأما حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - فأخرجه الدارقطنيّ، وفي إسناده كاملٌ أبو العلاء، وفيه ضعف، لكنه يَعتضد بحديثي ابن عباس وعائشة.

قال: وفيه ردّ على قول ابن عبد البرّ: إن ابن عبّاس تفرّد من بين الصحابة بأن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - تزوّج، وهو محرم.

قال: وجاء عن الشعبيّ، ومجاهد مرسلًا مثله، أخرجهما ابن أبي شيبة.

وأخرج الطحاويّ من طريق عبد اللَّه بن محمد بن أبي بكر، قال: سألت أنسًا عن نكاح المحرم؟ فقال: لا بأس به، وهل هو إلا كالبيع، وإسناده قويّ. لكنه في مقابلة النص، فلا عبرة به، وكان أنسًا لم يبلغه حديث عثمان - رضي اللَّه عنه -. انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: في ردّ الحافظ على ابن عبد البرّ نظر لا يخفى؛ إذ مراده ما صحّ في ذلك، وحديث عائشة، وأبي هريرة ضعيفان، كما يظهر مما ذُكر آنفًا، فكيف يُردّ عليه بالضعيف؟. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[المسألة الثانية]: في اختلاف أهل العلم في حكم تزويج المحرم:

قال الحافظ أبو عمر -رحمه اللَّه تعالى-: اختلف الفقهاء في نكاح المحرم: فقال مالكٌ، والشافعيّ، وأصحابهما، والليث، والأوزاعيّ: لا يَنكح المحرم، ولا يُنكح،


(١) أي في "الكبرى" ٣/ ٢٨٩.
(٢) "فتح" ١٠/ ٢٠٧ - ٢٠٨.