للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الخطبة أمام النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بإذنه، وأن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} الآية محمول على التقدّم بغير إذنه. واللَّه تعالى أعلم. (ومنها): مشروعيّة إنكار المنكر لمن كان أهلًا للإنكار، وذلك بأن يعرف كونه منكرًا، ويقدر على إزالته بحسب مراتب الإزالة المبيّنة في قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: (من رأى منكم منكرًا، فليُغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي اللَّه عنه -. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في ذكر ما قاله أهل العلم في إنكاره - صلى اللَّه عليه وسلم - على الخطيب المذكور: قال أبو العباس القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: ظاهره أنه أنكر عليه جمعَ اسم اللَّه، واسم رسوله - صلى اللَّه عليه وسلم - في ضمير واحد.

ويُعارضه: ما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود - رضي اللَّه عنه -: أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - خطب، فقال في خطبته: "من يُطع اللَّه ورسوله، فقد رَشَد، ومن يَعصهما، فإنه لا يضرّ إلا نفسه". وفي حديث أنس - رضي اللَّه عنه -: "ومن يعصهما فقد غَوَى"، وهما صحيحان.

ويُعارضه أيضًا قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: ٥٦]، فجمع بين ضمير اسم اللَّه وملائكته، ولهذه المعارضة صَرَفَ بعضُ القرّاء هذا الذّمّ إلى أن ذلك الخطيب وقف على: "ومن يعصهما". وهذا تأويل لم تساعده الرواية" فإن الرواية الصحيحة أنه أتى باللفظين في مساق واحد، وأن آخر كلامه إنما هو: "فقد غوى"، ثم إن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - ردّ عليه، وعلّمه صواب ما أخلّ به، فقال: "قل: ومن يَعص اللَّه ورسوله، فقد غَوَى"، فظهر أن ذمّه له إنما كان على الجمع بين الاسمين في الضمير، وحينئذ يتوجّه الإشكال، ونتخلّص عنه من أوجه:

[أحدها]: أن المتكلّم لا يدخل تحت خطاب نفسه إذا وجّهه لغيره، فقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "بئس الخطيب أنت" منصرفٌ لغير النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لفظًا ومعنًى.

[وثانيهما]: أن إنكاره - صلى اللَّه عليه وسلم - على ذلك الخطيب يحتمل أن يكون كأن هناك من يتوهّم التسوية من جمعهما في الضمير الواحد، فمنع ذلك لأجله، وحيث عُدِمَ ذلك جاز الإطلاق.

[وثالثها]: أن ذلك الجمع تشريفٌ، وللَّه تعالى أن يشرِّفَ من شاء بما شاء، ويمنع من مثل ذلك للغير، كما قد أقسم بكثير من المخلوقات، ومنعنا من القسم بها، فقال -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: ٥٦]، وكذلك أَذِنَ لنبيّه - صلى اللَّه عليه وسلم - في إطلاق مثل ذلك، ومنع منه الغير على لسان نبيّه - صلى اللَّه عليه وسلم -.