للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وجب للمرأة مهر مثلها، وإن وقع خارجًا عنه لم يجب. وقال مالك: إن وقع في حال العقد فهو من جملة المهر، أو خارجًا عنه، فهو لمن وُهب له. وجاء ذلك في حديث مرفوع، أخرجه النسائيّ (١) من طريق ابن جُريج، عن عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص: "أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: أيّما امرأة نكحت على صداق، أو حِبَاء، أو عِدَةٍ قبل عصمة النكاح، فهو لها، فما كان بعد عصمة النكاح، فهو لمن أُعطيه، وأحقّ ما أكرم الرجل ابنته، أو أخته". وأخرجه البيهقيّ من طريق حجّاج بن أرطأة، عن عمرو بن شعيب، عن عروة، عن عائشة، نحوه.

وقال الترمذيّ بعد تخريجه: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من الصحابة، منهم عمر، قال: إذا تزوّج الرجل المرأةَ، وشرط أن لا يُخرجها لزم. وبه يقول الشافعيّ، وأحمد، وإسحاق.

قال في "الفتح": كذا قال. والنقل في هذا عن الشافعيّ غريبٌ، بل الحديث عندهم محمول على الشروط التي لا تنافي مقتضى النكاح، بل تكون من مقتضياته، ومقاصده، كاشتراط العشرة بالمعروف، والإنفاق، والكسوة، والسكنى، وأن لا يقصّر في شيء من حقّها، من قسمة، ونحوها، وكشرطه عليها أن لا تَخرُج إلا بإذنه، ولا تمنعه نفسها، ولا تتصرّف في متاعه إلا برضاه، ونحو ذلك. وأما شرطٌ ينافي مقتضى النكاح، كأن لا يَقسم لها، أو لا يتسرّى عليها، أو لا يُنفق، أو نحو ذلك، فلا يجب الوفاء به، بل إن وقع في صلب العقد كفَى، وصحّ النكاح بمهر المثل. وفي وجه يجب المسمّى، ولا أثر للشرط. وفي قول للشافعيّ: يبطل النكاح.

وقال أحمد، وجماعة: يجب الوفاء بالشرط مطلقًا.

وقد استشكل ابن دقيق العيد حملَ الحديث على الشروط التي هي من مقتضيات النكاح، قال: تلك الأمور لا تؤثّر الشروط في إيجابها، فلا تشتدّ الحاجة إلى تعليق الحكم بالاشتراط فيها، ومقتضى الحديث أن لفظ: "أحقّ الشروط" يقتضي أن يكون بعض الشروط يقتضي الوفاء، وبعضها أشدّ اقتضاءً له، والشروط التي هي مقتضى العقود مستويةٌ في وجوب الوفاء، ويترجّح على ما عدا النكاح الشروط المتعلّقة بالنكاح من جهة حرمة الأبضاع، وتأكيد استحلالها. واللَّه أعلم انتهى (٢).

وقال الترمذيّ: وقال عليّ: سبق شرط اللَّه شرطها، قال: وهو قول الثوريّ، وبعض أهل الكوفة، والمراد في الحديث الشروط الجائزة، لا المنهيّ عنها انتهى.


(١) أي في "الكبرى" ٣/ ٣٢٢ - ٣٢٣. رقم ٥٥٣٢.
(٢) "إحكام الأحكام" ٣/ ١٨٩ - ١٩٠.