للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في الدقة والرقّة، لا في الرخاوة، وعدم الحركة. قال الحافظ: واستُبعِد ما قال، وسياق الخبر يُعطي بأنها شكت منه عدم الانتشار، ولا يمنع من ذلك قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "حتى تذوقي"؛ لأنه علّقه على الإمكان، وهو جائز الوقوع، فكأنه قال: اصبري حتى يتأتّى منه ذلك، وإن تفارقا، فلا بدّ لها عند إرادة الرجوع إلى رفاعة من زوج آخر، يحصل لها منه ذلك. (ومنها): أنه استُدلّ بإطلاق وجود الذوق منهما على اشتراط علم الزوجين به، حتى لو وطئها نائمةً، أو مغمى عليها لم يكف، ولو أنزل هو، وبالغ ابن المنذر، فنقله عن جميع الفقهاء.

وتُعُقّب بأن فيه خلافًا. وقال القرطبيّ: فيه حجةٌ لأحد القولين في أنه لو وطئها نائمةً، أو مُغمًى عليها لم تحل لمطلّقها؛ لأنها لم تذق العسيلة؛ إذ لم تدركها (١). وجزم ابن القاسم بأن وطء المجنون يُحلل، وخالفه أشهب. قاله في "الفتح" (٢).

(ومنها): ما قاله ابن عبد البرّ في قوله: "تريدين أن ترجعي إلى رفاعة" دليلٌ على أن إرادة المرأة الرجوع إلى زوجها لا يضرّ العاقد عليها، وأنها ليست بذلك في معنى التحليل المستحقّ صاحبه اللعن (٣).

(ومنها): أنه استُدلّ به على جواز رجوعها لزوجها الأول إذا حصل الجماع من الثاني، لكن شرط المالكيّة، ونُقل عن عثمان، وزيد بن ثابت أن لا يكون في ذلك مخادعةٌ من الزوج الثاني، ولا إرادة تحليلها للأول. وقال الأكثر: إن شُرط ذلك في العقد فسد، وإلا فلا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في اشتراط وطء الزوج الثاني للمطلّقة ثلاثًا: ذهب الجمهور من الصحابة، والتابعين، فمن بعدهم إلى أن المطلّقة ثلاثًا لا تحلّ لمطلّقها حتى تنكح زوجًا غيره، ويطأها، ثم يفارقها، وتنقضي عدّتها، فأما مجرّد عقده عليها، فلا يُبيحها للأول.

وخالف في ذلك سعيد بن المسيّب، فقال: إذا عقد الثاني عليها، ثم فارقها، حلّت للأوّل، ولا يُشترط وطء الثاني؛ لقول اللَّه تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} الآية [البقرة: ٢٣٠]، والنكاح حقيقة في العقد على الصحيح.

وأجاب الجمهور بأن هذا الحديث مخصّص لعموم الآية، ومبيّنٌ للمراد بها. قال النوويّ: قال العلماء: ولعلّ سعيدًا لم يبلغه هذا الحديث. قال القاضي عياض: لم يقل


(١) "المفهم" ٤/ ٢٣٤.
(٢) "فتح" ١٠/ ٥٨٦.
(٣) راجع "طرح التثريب" ٧/ ١٠٠.