للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أحد بقول سعيد في هذا إلا طائفةٌ من الخوارج (١).

وقال في "الفتح": قال جمهور العلماء: ذوق العسيلة كناية عن المجامعة، وهو تغييب حشفة الرجل في فرج المرأة، وزاد الحسن البصريّ: حصول الإنزال. وهذا الشرط انفرد به عن الجماعة. قاله ابن المنذر، وآخرون. وقال ابن بطّال: شذّ الحسن في هذا، وخالفه سائر الفقهاء، وقالوا: يكفي من ذلك ما يوجب الحدّ، ويحصّن الشخص، ويوجب كمال الصداق، ويُفسد الحجّ والصوم. وهو في التشديد يقابل قول سعيد بن المسيّب في الرخصة.

ويردّ قول الحسن أن الإنزال لو كان شرطًا لكان كافيًا، وليس كذلك؛ لأن كلًّا منهما إذا كان بعيد العهد بالجماع مثلًا أنزل قبل تمام الإيلاج، وإذا أنزل كلّ منهما قبل تمام الإيلاج لم يذق عسيلة صاحبه، لا إن فُسّرت العسيلة بالإمناء، ولا بلذّة الجماع.

قال ابن المنذر: أجمع العلماء على اشتراط الجماع لتحلّ للأوّل، إلا سعيد بن المسيّب، ثم ساق بسنده الصحيح عنه، قال: يقول الناس: لا تحلّ للأول حتى يُجامعها الثاني، وأنا أقول: إذا تزوّجها تزويجًا صحيحًا، لا يريد بذلك إحلالها للأول، فلا بأس أن يتزوّجها الأول. وهكذا أخرجه ابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور. وفيه تعقّب على من استعبد صحته عن سعيد. قال ابن المنذر: وهذا القول لا نعلم أحدًا وافقه عليه إلا طائفة من الخوارج، ولعلّه لم يبغله الحديث، فأخذ بظاهر القرآن.

قال الحافظ: سياق كلامه يُشعر بذلك.

وفيه دلالة على ضعف الخبر الوارد في ذلك، وهو ما أخرجه النسائيّ - ١٢/ ٣٤١٥ - من رواية شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سالم بن رزين، عن سالم بن عبد اللَّه، عن سعيد بن المسيّب، عن ابن عمر، رفعه في الرجل تكون له المرأة، فيُطلّقها، ثم يتزوّجها آخر، فيُطلّقها قبل أن يدخل بها، فترجع إلى الأول، فقال: لا، حتى تذوق العسيلة". وقد أخرجه النسائيّ أيضًا- ١٢/ ٣٤١٦ - من رواية سفيان الثوريّ، عن علقمة بن مرثد، فقال: عن رزين ابن سليمان الأحمريّ، عن ابن عمر نحوه. قال النسائيّ: هذا أولى بالصواب. وإنما قال ذلك؛ لأن الثوريّ أتقن، وأحفظ من شعبة، وروايته أولى بالصواب من وجهين:

[أحدهما]: أن شيخ علقمة شيخهما هو رزين بن سليمان، كما قال الثوريّ، لا سالم ابن رزين، كما قال شعبة، فقد رواه جماعة عن علقمة كذلك، منهم: غيلان بن جامع، أحد الثقات.

[ثانيهما]: أن الحديث لو كان عند سعيد بن المسيّب، عن ابن عمر، مرفوعًا ما نسبه إلى مقالة الناس الذين خالفهم.


(١) "شرح مسلم للنوويّ" ١٠/ ٢٤٤.