للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويؤخذ من كلام ابن المنذر أن نقل أبي جعفر النحّاس في "معاني القرآن"، وتبعه عبد الوهاب المالكيّ في "شرح الرسالة" القول بذلك عن سعيد بن جبير وَهَمٌ، وأعجب منه أن أبا حبّان (١) جزم به عن السعيدين: سعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبير، ولا يُعرف له سندٌ عن سعيد بن جبير في شيء من المصنّفات، وكفى قول ابن المنذر حجةً في ذلك. وحكى ابن الجوزيّ عن داود أنه وافق سعيد بن المسيّب انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن مما ذُكر أن جمهور العلماء على أن المطلّقة ثلاثًا لا تحلّ لزوجها الأول إلا بعد نكاح صحيح، ويُجامعها الزوج الثاني، وإن لم يُنزل، ثم يطلّقها، فتنقضي عدّتها، وهذا هو الحقّ الموافق لظاهر حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى - عنها المذكور في الباب، فما نُقل عن سعيد بن المسيّب من الاكتفاء بالعقد المجرّد عن الجماع، وكذا عن الحسن البصريّ من اشتراط الإنزال، فمما لا يُلتفت إليه؛ لمخالفته ما صحّ عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): اتفقوا على أنه إذا كان الجماع في نكاح فاسد لم يحلّل، وشذّ الحكم، فقال: يكفي، وأن من تزوّج أمة، ثم بتّ طلاقها، ثم ملكها لم يحلّ له أن يطأها حتى تتزوّج غيره. وقال ابن عبّاس، وبعض أصحابه، والحسن البصريّ: تحلّ له بملك اليمين.

واختلفوا فيما إذا وطئها حائضًا، أو بعد أن طهرت قبل تطهّر، أو أحدهما صائم، أو محرم.

وقال ابن حزم: أخذ الحنفيّة بالشرط الذي في هذا الحديث عن عائشة، وهو زائد على ظاهر القرآن، ولم يأخذوا بحديثها في اشتراط خمس رضعات؛ لأنه زائد على ما في القرآن، فليزمهم الأخذ به، أو ترك حديث الباب.

وأجابوا بأن النكاح عندهم حقيقة في الوطء، فالحديث موافق لظاهر القرآن.

ونقل ابن العربيّ عن بعضهم أنه ورد على حديث الباب ما ملخصّه أنه يلزم من القول به إما الزيادة بخبر الواحد على ما في القرآن، فيستلزم نسخ القرآن بالسنة التي لم تتواتر، أو حمل اللفظ الواحد على معنيين مختلفين مع ما فيه من الإلباس.

والجواب عن الأول أن الشرط إذا كان من مقتضيات اللفظ ام تكن إضافته نسخًا، ولا زيادة. وعن الثاني أن النكاح في الآية أضيف إليها، وهي لا تتولى العقد بمجرّدها، فتعين أن المراد به في حقّها الوطء، ومن شرطه اتفاقًا أن يكون وطأً مباحًا، فيحتاج إلى


(١) هكذا نسخ "الفتح" "أبا حبان" بالباء، فليحرر.
(٢) "فتح" ١٠/ ٥٨٥ - ٥٨٦.