رضعات، تحرمي عليه"، قالوا: وعائشة أعلم الأمة بحكم هذه المسألة هي، ونساء النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وكانت عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - إذا أرادت أن يدخل عليها أحدٌ أمرت إحدى بنات إخوتها، أو أخواتها، فأرضعته خمس رضعات. قالوا: ونفي التحريم بالرضعة، والرضعتين صريحٌ في عدم تعليق التحريم بقليل الرضاع وكثيره، وهي ثلاثة أحاديث صحيحة صريحة، بعضها خرج جوابًا للسائل، وبعضها تأسيسُ حكم مبتدأ. قالوا: وإذا علقنا التحريم بالخمس، لم نكن قد خالفنا شيئًا من النصوص التي استدللتم بها، وإنما نكون قد قيّدنا مطلقها بالخمس، وتقييد المطلق بيان، لا نسخٌ، ولا تخصيص.
وأما من علّق التحريم بالقليل والكثير، فإنه يُخالف أحاديث نفي التحريم بالرضعة والرضعتين، وأما صاحب الثلاث، فإنه وإن لم يُخالفها، فهو مخالف لأحاديث الخمس.
قال من لم يُقيّده بالخمس: حديث الخمس لم تنقله عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - نقل الأخبار، فيحتجَّ به، وإنما نقلته نقل القرآن، والقرآن إنما يَثبُت بالتواتر، والأمة لم تنقل ذلك قرآنًا، فلا يكون قرآنًا، وإذا لم يكن قرآنًا، ولا خبرًا امتنع إثبات الحكم به.
قال أصحاب الخمس: الكلام فيما نقل من القرآن آحادًا في فصلين:
[أحدهما]: كونه من القرآن.
[والثاني]: وجوب العمل به، ولا ريب أنهما حكمان متغايران، فإن الأول يوجب انعقاد الصلاة به، وتحريم مسّه على المحدث، وقراءته على الجنب، وغير ذلك من أحكام القرآن، فإذا انتفت هذه الأحكام لعدم التواتر، لم يلزم انتفاء العمل به، فإنه يكفي فيه الظنّ، وقد احتجّ كلّ واحد من الأئمة الأربعة به في موضع، فاحتجّ به الشافعيّ، وأحمد في هذا الموضع. واحتجّ به أبو حنيفة في وجوب التتابع في صيام الكفّارة بقراءة ابن مسعود: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات". واحتجّ به مالك، والصحابة قبله في فرض الواحد من ولد الأمّ أنه السدس بقراءة أُبَيّ: "وإن كان رجلٌ يُورث كلالة، أو امرأة، وله أخ، أو أخت من أمّ، فلكلّ واحد منهما السدس"، فالناس كلهم احتجّوا بهذه القراءة، ولا مستند للإجماع سواها.
قالوا: وأما قولكم: إما أن يكون نقله قرآنًا، أو خبرًا، قلنا: بل قرآنًا صريحًا، قولكم: فكان يجب نقله متواترًا، قلنا: حتى إذا نسخ لفظه، أو بقي، أما الأول، فممنوع، والثاني مسلَّم، وغاية ما في الأمر أنه قرآن نُسخ لفظه، وبقي حكمه، فيكون له حكم قوله: "الشيخ والشيخة إذا زنيا، فارجموهما" مما اكتُفِى بنقله آحادًا، وحكمه ثابت، وهذا مما لا جواب عنه.