للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

- رضي اللَّه عنه -: "لا يُحرّم من الرضاعة إلا ما فتَقَ الأمعاء".

واحتجّ الشافعيّ بحديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - المذكور في الباب: "كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يُحرّمن، ثم نُسخن … " الحديث.

فكان في هذا الحديث بيان ما يُحرّم من الرضعات، وكان مفسِّرًا لقوله: "لا تحرّم الرضعة، والرضعتان"، فدلّ على أن قوله: "لا تحرّم المصّة، ولا المصّتان، ولا الرضعة، ولا الرضعتان" خرج على جواب سائل سأله عن الرضعة، والرضعتين، هل تُحرّمان؟ فقال: لا؛ لأن من سنّته وشريعته أنه لا يُحرّم إلا خمس رضعات، وأنها نَسَخت العشر الرضعات، كما لو سأل سائلٌ: هل يُقطع السارق في درهم، أو درهمين؟، كان الجواب لا يقطع في درهم، ولا درهمين؛ لأنه قد بيّن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه لا يقطع إلا في ربع دينار، فكذلك بيانه في الخمس الرضعات.

[أفإن قيل]: لو كانت ناسخةً للعشر رضعات عند عائشة كما روت عنها عمرة، ما كانت عائشة لتأمر أختها أم كلثوم أن تُرضع سالم بن عبد اللَّه عشر رضعات؛ ليدخل عليها، فتستعمل المنسوخ، وتدع الناسخ. وكذلك حفصة أمرت أختها فاطمة بمثل ذلك في عاصم.

[والجواب]: أن أصحاب عائشة الذين هم أعلم بها من نافع، وهم: عروة، والقاسم، وعمرة رووا عنها خمس رضعات، ولم يَرو أحدٌ منهم عشر رضعات. وقد روي عنها سبع رضعات، وقد روي عنها عشر رضعات، والصحيح عنها خمس رضعات، ومن روى أكثر من خمس رضعات، فقد وَهِم؛ لأنه قد صحّ عنها أن الخمس الرضعات المعلومات نَسخن العشر المعلومات، فمحالٌ أن تقول بالمنسوخ. وهذا لا يصحّ عنها عند ذي فهم. وفي حديثها المسند أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أمر سهلة بنت سُهيل امرأة أبي حذيفة أن تُرضع سالمًا مولى أبي حذيفة خمس رضعات. قال عروة: فأخذت بذلك عائشة. فكيف يَقبَل أحدٌ عنها أنها أفتت بعد موت النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بعشر رضعات؟ هذا لا يقبله من أنصف نفسه، ووفق لرشده، ولو صحّ عنها حديث نافع، عن سالم في العشر كان غيره معارضًا له بالخمس. انتهى كلام ابن عبد البرّ -رحمه اللَّه تعالى- (١).

وقال العلاّمة ابن القيّم -رحمه اللَّه تعالى-: قال أصحاب الخمس: الحجة لنا حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -، وقد أخبرت هي أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - توفّي، والأمر على ذلك، قالوا: ويكفي في هذا قول النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لسهلة بنت سهيل: "أرضعي سالمًا خمس


(١) "الاستذكار" ١٨/ ٢٥٩ - ٢٦٧.