عن لسانه، وذلك كاف في الحجيّة؛ لما تقرّر في الأصول من أن المرويّ آحادًا إذا انتفى عنه وصف القرآنيّة لم ينتف وجوب العمل به، كما سلف.
واحتجّوا أيضًا بقوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ}[النساء: ٢٣]، وإطلاق الرضاع يُشعر بأنه يقع بالقليل والكثير، ومثلُ ذلك حديثُ:"يحرم من الرضاع ما يحرُم من النسب". ويُجاب بأنه مطلقٌ مقيّد بما سلف.
واحتجّوا بما ثبت في "الصحيحين" عن عقبة بن الحارث - رضي اللَّه عنه - أنه تزوّج أم يحيى بنت أبي إهاب الآتي للنسائيّ في -٥٧/ ٣٣٣١ - ، فإن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يستفصله عن الكيفيّة، ولا سأل عن العدد حين أمره بفراقها.
ويُجاب أيضًا بأن أحاديث الباب اشتملت على زيادة على ذلك المطلق المشعور به من ترك الاستفصال، فيتعيّن الأخذ بها، على أنه يمكن أن يكون ترك الاستفصال لسبق البيان منه - صلى اللَّه عليه وسلم - للقدر الذي يثبت به التحريم.
[فإن قلت]: حديث: "لا يُحرّم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء" يدلّ على عدم اعتبار الخمس؛ لأن الفتق يحصل بدونها.
[قلت]: أجيب عن ذلك بأن الحديث منقطع؛ لأنه من رواية فاطمة بنت المنذر، عن أم سلمة، ولم تسمع منها شيئًا.
فالظاهر ما ذهب إليه القائلون باعتبار الخمس.
وأما حديث:"لا تُحرّم الرضعة والرضعتان"، ونحوه من الأحاديث، فمفهومها يقتضي أن ما زاد عليها يوجب التحريم، كما أن مفهوم أحاديث الخمس أن ما دونها لا يقتضي التحريم، فيتعارض المفهومان، ويُرجع إلى الترجيح، ولكنه قد ثبت عند ابن ماجه بلفظ:"لا يُحرّم إلا عشر رضعات، أو خمس"، وهذا مفهوم حصر، وهو أولى من مفهوم العدد.
وأيضًا قد ذهب بعض علماء البيان كالزمخشريّ إلى أن الإخبار بالجملة الفعليّة المضارعية يفيد الحصر، والإخبار عن الخمس الرضعات بلفظ يُحرّمن كذلك، ولو سلم استواء المفهومين، وعدم انتهاض أحدهما كان المتوجّه تساقهما، وحمل ذلك المطلق على الخمس، لا على ما دونها، إلا أن يدلّ عليه دليلٌ، ولا دليل يقتضي أن ما دون الخمس يحرم إلا مفهوم قوله:"لا تحرّم الرضعة والرضعتان"، والمفروض أنه قد سقط، نعم لا بدّ من تقييد الخمس الرضعات بكونها في زمن المجاعة؛ لحديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - الآتي آخر الباب:"فإن الرضاعة من المجاعة".
وأما حديث ابن مسعود - رضي اللَّه عنه - عند أبي داود، مرفوعًا: "لا رضاع إلا ما أنشز العظم،