"الشهادات" ٢٦٤٧ و"النكاح" ٥١٠٢ (م) في "الرضاع" ١٤٥٥ (د) في "النكاح" ٢٠٥٨ (ق) في "النكاح" ١٩٤٥ (الدارمي) ٢٢٥٦. واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان مقدار الرضاعة التي يثبت بها التحريم، وذلك خمس رضعات، ووجه الاستدلال بهذا الحديث على ذلك، أنه يدلّ على أن الرضعة الواحدة، لا تحرّم؛ لأنها لا تُغني من الجوع، فإذًا لا بدّ من تقدير ما يُحرّم منها، فيكون أولى ما يؤخذ به ما قدّرته الشريعة، وهو خمس رضعات.
(ومنها): جواز دخول من اعترفت المرأة بالرضاعة معه عليها، وأنه يصير أخًا لها، وقبول قولها فيمن اعترفت به. (ومنها): سؤال الرجل زوجته عن سبب إدخال الرجال بيته، والاحتياط في ذلك، والنظر فيه.
(ومنها): أنه استدلّ به على أن التغذية بلبن المرضعة يُحَرِّم، سواء كان بشرب أم أكل بأيّ صفة كان، حتى الوُجور، والسُّعوط، والثَّرْد، والطَّبْخ، وغير ذلك، إذا وقع ذلك بالشرط المذكور من العدد لأن ذلك يطرد الجوع، وهو موجود في جميع ما ذُكر، فيوافق الخبر والمعنى، وبهذا قال الجمهور، لكن استثنى الحنفيّة الحُقْنة.
وخالف في ذلك الليث، وأهل الظاهر، فقالوا: إن الرضاعة المحرمة إنما تكون بالتِقَام الثدي، ومصّ اللبن منه.
(ومنها): أنه استُدلّ به على أن الرضاعة إنما تُعتبر في حال الصغر؛ لأنها الحال الذي يمكن طرد الجوع فيها باللبن بخلاف حال الكبر، وضابط ذلك تمام الحولين، وعليه يدلّ حديث ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما -، رفعه:"لا رضاع إلا ما كان في الحولين". أخرجه الدرقطنيّ، وقال: لم يُسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل، وهو ثقة حافظ. وأخرجه ابن عديّ، وقال: غير الهيثم يوقفه على ابن عباس، وهو المحفوظ. وحديث أمّ سلمة - رضي اللَّه تعالى عنها -: "لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء، وكان قبل الفطام". صححه الترمذيّ، وابن حبّان.
وقال القرطبيّ: في قوله: "فإنما الرضاعة من المجاعة" تثبيت قاعدة كلّيّة صريحة في اعتبار الرضاع في الزمن الذي يستغني به الرضيع عن الطعام باللبن، ويعتضد بقوله تعالى:{لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}، فإنه يدلّ على أن هذه المدّة أقصى مدّة الرضاع المحتاج إليه عادةً المعتبر شرعًا، فما زاد عليه لا يُحتاج إليه عادةً، فلا يُعتبر شرعًا، إذ لا حكم للنادر، وفي اعتبار إرضاع الكبير انتهاك حرمة المرأة بارتضاع الأجنبيّ منها؛ لاطلاعه على عورتها، ولو بالتقامه ثديها.