للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بسبق الحكم باعتبار الحولين؛ لقول امرأة أبي حذيفة في بعض طرقه، حيث قال لها النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أرضعيه"، قالت: وكيف أرضعه، وهو رجلٌ كبيرٌ؟، فتبسّم رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وقال: "قد علمت أنه رجلٌ كبير"، وفي رواية: قالت: إنه ذو لحية، قال: "أرضعيه". وهذا يشعر بأنها كانت تعرف أن الصغر معتبرٌ في الرضاع المحرّم.

(ومنها): دعوى الخصوصيّة بسالم، وامرأةِ أبي حُذيفة، والأصل فيه قول أم سلمة، وأزواج النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: ما نرى هذا إلا رخصةً أرخصها رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - لسالم بسهلة، فلما نزل الاحتجاب، ومُنِعوا من التبنّي شقّ ذلك على سهلة، فوقع الترخيص لها في ذلك؛ لرفع ما حصل لها من المشقّة.

وهذا فيه نظرٌ؛ لأنه يقتضي إلحاق من يساوي سهلة في المشقّة، والاحتجاج بها، فتنفَى الخصوصية (١).

وفيه أيضًا أن دعوى الخصوصيّة تحتاج إلى دليل، وقد اعترف أزواج النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بصحّة الحجة التي جاءت بها عائشة، ولا حجة في إبائهنّ لها، كما أنه لا حجة في أقوالهنّ، ولهذا سكتت أمّ سلمة لما قالت لها عائشة: أما لك في رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أسوةٌ حسنةٌ؟، ولو كانت هذه السنّة مختصّةً بسالم لَبَيَّنَها رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، كما بيّن اختصاص أبي بردة بالتضحية بالجذع من المعز، واختصاص خزيمة بأن شهادته كشهادة رجلين (٢).

وذهب بعضهم إلى أن الرضاع يُعتبر فيه الصغر إلا فيما دعت إليه الحاجة، كرضاع الكبير الذي لا يستغني عن دخوله على المرأة، ويشقّ احتجابها منه، وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيميّة، ورجّحه الشوكانيّ، قال: وبه يحصل الجمع بين الأحاديث، وذلك بأن تجعل قصّة سالم المذكورة مخصّصة لعموم: "إنما الرضاع من المجاعة"، و"لا رضاع إلا في الحولين"، و"لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء، وكان قبل الفطام"، و"لا رضاع إلا ما أنشر العظم، وأنبت اللحم". وهذه طريقة متوسطة بين طريقة من استدلّ بهذه الأحاديث على أنه لا حكم لرضاع الكبير مطلقًا، وبين من جعل رضاع الكبير كرضاع الصغير مطلقًا؛ لما لا يخلو عنه كلّ واحدة من هاتين الطريقتين من التعسّف. ويؤيّد هذا أن سؤال سهلة امرأة أبي حذيفة كان بعد نزول آية الحجاب، وهي مصرّحة بعدم جواز إبداء الزينة لغير من في الآية، فلا يُخصّ منها غير من استثناه اللَّه تعالى، إلا بدليل، كقضيّة سالم، وما كان مماثلًا لها في تلك العلّة التي هي الحاجة إلى رفع الحجاب، من


(١) "فتح" ١٠/ ١٨٦.
(٢) "نيل الأوطار" ٦/ ٣٣٢ - ٣٣٣.