وقول ربيعة: "فكانت رخصةً الخ" الضمير للحكم المذكور، والتأنيث باعتبار الخبر، وهو "رخصة"، والمراد به أن حلّ إرضاع الكبير، وثبوت الحرمة به رخصةٌ لسالم للضرورة، ولا يتناول غيره.
وهذا رأي ربيعة، كما هو رأي أكثر أهل العلم، وتقدّم البحث فيه مستوفىً قريبًا، وأن الأرجح أنه ليس رخصةً لسالم فقط، بل يعُمّه وغيره، ممن هو على مثل حاله في الضرورة، فتنبّه.
والحديث صحيحٌ، وقد سبق بيانه قريبًا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
٣٣٢٣ - (أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ, عَنْ سُفْيَانَ -وَهُوَ ابْنُ حَبِيبٍ- عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ, عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ, عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ, عَنْ عَائِشَةَ, قَالَتْ: جَاءَتْ سَهْلَةُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ, إِنَّ سَالِمًا يَدْخُلُ عَلَيْنَا, وَقَدْ عَقَلَ مَا يَعْقِلُ الرِّجَالُ, وَعَلِمَ مَا يَعْلَمُ الرِّجَالُ, قَالَ: «أَرْضِعِيهِ, تَحْرُمِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ» , فَمَكَثْتُ حَوْلاً, لَا أُحَدِّثُ بِهِ, وَلَقِيتُ الْقَاسِمَ, فَقَالَ: حَدِّثْ بِهِ, وَلَا تَهَابُهُ).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: "حميد بن مسعدة": هو الباهليّ البصريّ، صدوق [١٠] ٥/ ٥. و"سفيان بن حبيب": هو البزّاز، أبو محمد البصريّ، ثقة [٩] ٦٧/ ٨٢. و"ابن جريج": هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج. و"ابن أبي مُليكة": هو عبد اللَّه بن عُبيد اللَّه بن أبي مليكة. ورجال الإسناد كلهم رجال الصحيح، غير سفيان بن حبيب، فإنه من رجال الأربعة، وأخرج له البخاريّ في "الأدب المفرد".
وقولها: "وقد عقل ما يعقل الرجال" أي من عورات النساء. وقولها: "وعلم ما يعلم الرجال" مؤكّدٌ لما قبله.
وقوله: "فمكثت حولًا الخ" "مكث" من باب قتل: أي أقمت، وتَلَبَّثتُ.
[تنبيه]: قائل: "مكثت" هو ابن أبي مُليكة، وسياق مسلم في "صحيحه" أصرح في ذلك، ولفظه: قال: فمكثتُ سنة، أو قريبًا منها، لا أُحدّثُ به، وهِبْتُهُ، ثم لقيتُ القاسم، فقلت له: لقد حدّثتني حديثًا ما حدّثتُهُ بعدُ، قال: فما هو؟ فأخبرته، قال: فحدّثهُ عنّي أن عائشة أخبرتنيه" انتهى.
والظاهر أن سبب عدم تحديث ابن أبي مليكة به، ومكثه حولًا، أو قريبًا منه، خوفه أن لا يُقبل منه؛ لكون أكثر أهل العلم على خلافه، حيث إنهم لا يرون تحريم رضاع الكبير، ثم لما لقي القاسم حثه على التحديث به، وعدم الخوف منه؛ لثبوته عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فإنه إذا ثبت الحديث عنه، وجب نشره، والعمل به، دون أن يُلتَفَتَ إلى عدم عمل